رُعب... قصة قصيرة من واقع الحياة
بينما أخطو وسط أجساد البشر المتلاحمة والمتخبطة في طريقها
للدخول أو الخروج من بوابات محطة القطار. وأنا أحمل في راحتي يديَّ قلبي وعقلي
المنهكين من مفاجآت الاضطرار للسفر المتكررة في الآونة الأخيرة. سمعت صوتًا
أجَشًّا يوقف أحدهم ويطالبه بإبراز بطاقته الشخصية (الهوية) ويسأله، "إلى أين أنت
ذاهب؟" ثم يطالبه بإخراج تليفونه المحمول. تمامًا كما حكى الكثيرون عن حملات
التفتيش الفجائية المنتشرة هذه الأيام بسبب دعوات التظاهر المتتالية. فما كان من
الشاب إلا أن انصاع للأمر وبدأ في إخراج وإبراز كل ما يُطلب منه..
أكملت طريقي غير مكترث بما يحدث، وكل ما فعلته أن أعدت قلبي وعقلي
كلاهما كل في مكانه خوفًا من أن يسقطا أو يضيعا مني وسط زحامٍ ما أشده. شكرت الله
أني لم أكن المقصود بالإيقاف لأني كنت في عجلةٍ من أمري. توجهت إلى مكتب التذاكر
واشتريت تذكرة السفر التي أريد سريعًا وأنا مأخوذ الوجدان وتائه العقل. ثم، وبعد
أن وضعتها في حقيبتي، عُدت من طريقٍ آخر لكي أتجنب –بقدر الإمكان- احتمالية أن يتم
توقيفي. وكان طريقي للخروج مارًا بالكوبري الحديدي المجاور للمحطة، وذلك حين وجدته…
رُعب... قصة قصيرة لأسامة الأديب
كان جالسًا القرفصاء وحيدًا بجوار أحد الأعمدة المعدنية الضخمة التي
تدعم بناء الكوبري. بجواره، مفروشًا على الأرض الترابية، كان يضع رغيف خبز دائري
الشكل صغير الحجم بعد أن تم تخفيض وزنه مثلما تم تخفيض قيمتنا كبشر في المكان. جذب
انتباهي أنه في جلسته كان ينبش التراب. ظننت أنه يبحث عن شيئٍ ضاع منه. ولكن حينما
دققت النظر فيما يفعل وفي الرغيف المفترش ارتعبت. لقد كان ينبش التراب من أجل
استخراج قطع من أصابع البطاطس المقلية المغموسة في التراب. كان يقوم بنفخها بتؤدة
لكي يزيل التراب العالق فيها ويحول لونها من أسود إلى أصفر مرة ثانية. فكانت تصير
رمادية اللون فقط. وحين يشعر باليأس من تنظيفها أكثر، كان يقوم برصها في شكل هندسي
فوق رغيف الخبز لكي تغطي قطع البطاطس أكبر مساحة منه.
فهمت من فوري ماذا يفعل فارتعبت. حملتني قدمايَّ سريعًا من أجل الهروب
من المنظر خوفًا من رؤية النهاية. ففي جوف هذا المسكين سوف يستقر بعد قليل هذا
الرغيف المغمس بالتراب وبعض قطع البطاطس التي من المؤكد أن أحدهم قد ألقاها منذ
وقت ليس بقليل. وقد تقلبت في التراب واستقرت بجوار العمود وربما داس عليها من داس
أو ألقى أحدهم عليها بقذارته قبل أن يكتشفها صاحبنا.
دق قلبي بعنف، وانهمرت الدموع في داخلي غيظًا وألمًا. وقبضت أصابعي
على الحقيبة التي أحملها بشدة في تعبيرٍ عن الغضب… ولقد طاردتني الأفكار أننا
جميعًا في يومٍ ما ونحن نسير بهذه الوتيرة في الأحوال ومع المزيد من الغلاء قد نصل
إلى القيام بنفس الفعل… والأقسى، هو أننا قد لا نجد حينها مثل هذا الرغيف من
الخبز. ولا مثل هذه القطع من البطاطس الملقاة بإهمال من أحدهم والذي من المؤكد أنه
سوف يكون مشاركًا معنا نفس المصير!!
تعليقات
إرسال تعليق