أضواء على الطريق ...
هي قصة مثل بعض القصص السابقة التي نشرتها. قمت بكتابتها منذ أكثر من عشرين عام. وهي قصة من القصص الواقعية. والتي أعتبرها، ضوءًا على الطريق لإنارة ظُلمة الحياة.
أضواء على الطريق (قصة قصيرة(
كان المساء يهاجمنا بكل جيوشه.
ولم يكن لدينا وقت لتأمل جماله في تلك البقعة الساحرة الخالية من الدخان في وادي النطرون وسط الصحراء. كان علينا أن نصل إلي الدير سريعاً.
فالمواصلات صعبة او تكاد تكون معدومة في المساء. والسائقون يستغلون الفرصة لرفع
الأسعار عشرات الأضعاف.
قال لي صديقي الذي كان يسير
معي في الطريق: إننا ندفع في هذه المسافة البسيطة ضعف ما يدفعه الأهالي القاطنين
هنا.
انتظرنا في أول الطريق زمنًا
طويلاً. حتي جاءت سيارة مسرعة تعبر أمامنا. أشرنا إليها صائحين: الدير؟ الدير يا
أسطى؟
فتوقفت السيارة. واستبشرنا
خيراً. ثم جرينا نحو السيارة والسائق،
سأل السائق:
رايحين فين؟
الدير
السائق: أربعة
جنيهات.
أجبت: كتير…
فنظر وقال: انا مارضتش اقول
خمسة.
شكراً… بالسلامة
لا أحب أبدًا من يستغلون
الظروف كثيراً. حتي وإن تأخرت في الوقت بعض الشيئ. فهنا، اعتدنا أن ندفع للفرد فقط
خمسون قرشًا. فكيف يطلب منا أربعة أضعاف وهو بالفعل ذاهب إلى حيث نريد الذهاب؟!
وقفت بجوار صديقي نتبادل
الاتهامات عمن السبب في التأخير في الوصول. والوقت كان يمر سريعًا طالما ننتظر.
والليل كان يبدو موحشًا ومخيفًا.
ولا نستطيع ان نذهب
سيرًا على الأقدام إلى الدير، فالمسافة طويلة، والطريق مظلم، موحش. والصحراء
ليست خالية من الأحياء الذين قد يؤذوننا… الصحراء مخيفة في ليلٍ بلا أضواء وعواميد
إنارة بلا مصابيح أو كهرباء.
بعد فترة مرت امامنا سيارة
أخري، أشار لها صديقي وزعق: الدير؟
قلت له هامسا: دي ملاكي… ومش
ممكن صاحبها يقف.
لكن السيارة توقفت علي مبعدة
منا. وأشار صاحبها الذي يجلس خلف عجلة القيادة إلينا. فأسرعنا ناحيته.
سأل: رايحين فين؟
الدير
اركبوا… أنا رايح المزرعة
بتاعتي جنب الدير.
فأسرعنا في فتح الأبواب وركبنا.
علي ضوء السيارة الداخلي رأيت
وجه صاحبها. كان شيخٌ كبيرٌ له لحية بيضاء طويلة مرسلة. كان هو البادئ بالكلام،
أنا اسمي الحاج (…….) باعيش
دلوقتي هنا في مزرعتي بالقرب من الدير. وانتم؟
قال له صاحبي اسمه وقلت له أنا
أيضاً اسمي في شيءٍ من الخوفِ والحذرِ. فضحك مُرحباً بنا.
قلنا: مش عارفين نشكرك إزاي يا
حاج؟
فرد مبتسما: احنا أخوات هنا
ولازم نساعد بعض.
قال له صاحبي: لكن في ناس
بتقول كلام غير كده يا حاج…
فأجاب: يا عم … خليهم يقولوا …
دول ناس عقولها فارغة. أنا دايماً أقرا في الكتب السماوية، وملقتش مرة إن هنا
بيقول اقتل وهناك لا تقتل، أو هنا اسرق وهناك لا تسرق. كله بيدعوا للخير والبُعد
عن الشر. يمكن الفرق في الترتيب والشكل بس… لكن كله بيعبد رب واحد… ولا إيه؟؟؟
كنا قد وصلنا إلى نهاية
الطريق. وقد دعانا الشيخُ للعشاءِ معه في مزرعته. فشكرناه بشدة. ثم تركناه لنسير
المسافة القصيرة الباقية من الطريق إلى باب الدير.
ونحن نهاجم ظلام الليل…
بلا خوف…
وبلا قلق…
تأليف/ أسامة الأديب
تعليقات
إرسال تعليق