التدابير الاجتماعية
في قانون الطفل المصري رقم 12 لسنة 1996 والمعدل بالقانون
رقم
126 لسنة 2008
بقلم أ.
إلهام محمود
المحامية واستشاري حقوق الطفل
يعتبر قانون الطفل رقم 126 لسنة 2008 خطوة مهمة نحو حماية حقوق الأطفال في مصر. فمن أبرز ما جاء به هذا القانون هو التركيز على التدابير الاجتماعية البديلة لسلب حرية الطفل، والتي تهدف إلى حماية ورعاية الأطفال في تماس مع القانون والمعرضين للخطر. حيث أنه بدلاً من اللجوء الفوري إلى الإجراءات العقابية والايداع في مؤسسات الرعاية الاجتماعية أو الحبس في المؤسسات المغلقة في معزل عن أسرته وأصدقائه ومدرسته والمجتمع الذي اعتاد وتربي فيه مما يعرض مستقبل الطفل التعليمي والمهني والاجتماعي للخطر.
فإن هذه التدابير هي بمثابة شبكة أمان اجتماعي،
تضمن حصول الطفل على الرعاية والدعم اللازمين ليعيش حياة كريمة وآمنة.
ما هي التدابير الاجتماعية؟
التدابير
الاجتماعية هي مجموعة من القرارات القضائية والإجراءات التي تهدف إلى حماية ورعاية
الطفل الذي يمر بظروف صعبة وارتكب جريمة (جناية – جنحة) في سن لا تتجاوز خمس عشرة
سنة ميلادية كاملة، وتختلف هذه التدابير بحسب حالة كل طفل، وتشمل:
- التوبيخ: هو توجيه المحكمة
اللوم والتأنيب إلي الطفل علي ما صدر منه وتحذيره بألا يعود إلى مثل هذا
السلوك مرة أخري.
- التسليم: حيث يسلم الطفل إلي أحد أبويه أو إلى من له الولاية أو
الوصاية عليه، فإذا لم تتوافر في أيهم الصلاحية في القيام بتربيته يتم تسليمه إلى
شخص مؤتمن يتعهد بتربيته وحسن سيره أو إلى أسرة موثوق بها يتعهد عائلها بذلك.
- الإلحاق بالتدريب
والتأهيل: يكون تدريب الطفل وتأهيله بأن تعهد المحكمة به إلى أحد
المراكز المخصصة لذلك أو إلي أحد المصانع أو المتاجر أو المزارع التي تقبل تدريبه،
بما يتناسب مع ظروف الطفل مدة تحددها المحكمة في حكمها، على ألا تزيد مدة
بقاء الطفل في الجهات المشار إليها علي ثلاث سنوات، وذلك بما لا يعيق انتظام
الطفل في التعليم الأساسي.
- الإلزام بواجبات
معينة: يكون بحظر ارتياد أنواع من المحال، أو بفرض الحضور في
أوقات محددة أمام أشخاص أو هيئات معينة، أو بالمواظبة على بعض الاجتماعات
التوجيهية، أو غير ذلك من القيود التي تحدد بقرار من وزير الشئون الاجتماعية،
ويكون الحكم بهذا التدبير لمدة لا تقل عن ستة أشهر ولا تزيد على ثلاث سنوات.
- الاختبار القضائي:
يكون بوضع الطفل في بيئته الطبيعية تحت التوجيه والإشراف ومع مراعاة الواجبات
التي تحددها المحكمة، ولا يجوز أن تزيد مدة الاختبار القضائي على ثلاث سنوات،
فإذا فشل الطفل في الاختبار عرض الأمر على المحكمة لتتخذ ما تراه مناسبًا من
التدابير الأخرى السالفة الذكر
- العمل للمنفعة العامة: يكون بتكليف الأطفال بالقيام بأحد الأعمال التي تفيد المجتمع وتعزز في نفسه الإحساس بالانتماء إلي المجتمع والمسئولية عما اقترفه، وبما يطور من شخصيته، ويحافظ على كرامته، ولا يرهقه بدنياً أو يضره نفسياً، كالعمل في المكتبات العامة بكافة أنواعها القريبة إلى محل إقامته ودور رعاية الأشخاص ذوو الإعاقة والمسنين والأيتام والمدارس والحضانات وأعمال النظافة والتجميل للأماكن العامة، وغيرها من الأعمال المماثلة، وذلك للمدة التي تحددها المحكمة.
- هذا ويراعى
في التكليف بأي من هذه الأعمال الضوابط الآتية:
أ. أن يكون العمل ذا فائدة للمجتمع بمستوياته المختلفة.
ب. ألا يكون فيه ما يمس كرامة الطفل أو الإضرار بحالته النفسية.
ج. ألا يكون العمل ضاراً بصحة الطفل البدنية والنفسية.
د. أن يعزز في نفس الطفل احترام النفس وروح الانتماء.
- الإيداع في احد
مؤسسات الرعاية الاجتماعية:
يكون بإيداع الطفل في احدي مؤسسات الرعاية الاجتماعية للأطفال لتابعة
لوزارة التضامن الاجتماعي، فإذا كان الطفل معاقاً يكون الإيداع في معهد مناسب
لتأهيله ، ولا تحدد المحكمة في حكمها مدة الإيداع ، ويجب علي المحكمة متابعة أمر
الطفل عن طريق تقرير من الاخصائي الاجتماعي يوضح فيه البرنامج العلاجي الذي
خضع له الطفل ومدي تقدمه، ويقدم هذا التقرير كل شهرين للمحكمة لتقرر المحكمة
إنهاء التدبير فوراً أو إبداله حسب الاقتضاء علي أن تراعي أن يكون الإيداع
لأقصر فترة ممكنة ، وفي جميع الأحوال يتعين ألا تقضي المحكمة بتدبير الإيداع
ألا كملاذ أخير .
- الإيداع أحد
المستشفيات المتخصصة: تحكم
المحكمة بإيداع الطفل أحد المستشفيات المتخصصة، بالجهات التي يلقي فيها
العناية التي تدعو إليها حالته.
- وتتولي المحكمة
الرقابة على بقائه تحت العلاج في فترات دورية لا يجوز أن تزيد أي فترة منها على
سنة يعرض عليها خلالها تقارير الأطباء، وتقرر إخلاء سبيله إذا تبين لها أن
حالته تسمح بذلك، وإذا بلغ الطفل سن الحادية والعشرين وكانت حالته تستدعي
استمرار علاجه نقل إلي أحد المستشفيات المخصصة لعلاج الكبار.
ويعتبر تدبيري الإيداع
في أحد مؤسسات الرعاية أو أحد المستشفيات المتخصصة من التدابير السالبة للحرية، والتي يجب أن تكون الملاذ الأخير أمام القاضي بعد استنفاد كافة التدابير
الاجتماعية التربوية السالفة الذكر (1: 6) أو في الحالات القصوى أو حالات المرض
المزمن/ العقلي.
لماذا تعتبر التدابير الاجتماعية مهمة؟
تكمن
أهمية التدابير الاجتماعية في أنها تركز على المصلحة الفضلى للطفل. فبدلاً من
التعامل مع الطفل كجاني، تتعامل معه كضحية لظروف قد لا يكون له يد فيها. وهذه
التدابير تضمن أن يتم:
- حماية الطفل من العنف والإهمال: توفر
بيئة آمنة للطفل بعيدًا عن أي أذى جسدي أو نفسي.
- إعادة تأهيل الطفل ودمجه في المجتمع:
تساعد الطفل على التغلب على الصعوبات التي يواجهها والعودة إلى حياة طبيعية.
- دعم الأسرة: لا تقتصر
التدابير على الطفل فقط، بل تمتد لتشمل الأسرة، حيث يتم تقديم الإرشاد
والتوجيه للوالدين لمساعدتهم على تحسين بيئة التربية.
دورنا في دعم هذه التدابير
إن
نجاح التدابير الاجتماعية يعتمد على تعاون الجميع. الأسرة والمؤسسات والأفراد في
المجتمع، حيث يمكننا:
- نشر الوعي حيث يجب
أن نكون على دراية بقانون الطفل وأن ننشر الوعي حول أهمية هذه التدابير.
- توفير مؤسسات وجمعيات أهلية تكون مؤهلة
لاستقبال الأطفال لتنفيذ التدابير الاجتماعية وتساعد في إعادة تأهيل ودمج
الأطفال في الاسرة والمجتمع وضمان عدم الرجوع للجريمة مرة اخري
- تعزيز نهج المسئولية المجتمعية لدي شركات
القطاع الخاص والمصانع ومؤسسات المجتمع المدني لتستقبل الأطفال لتنفيذ تدابير
التدريب المهني والالزام بواجبات معينة والعمل للمنفعة العامة
- تقديم الدعم من خلال التطوع
في المؤسسات التي تقدم الرعاية والدعم للأطفال، أو حتى تقديم المساعدة
المادية أو المعنوية للأسر المحتاجة.
- توفير محامين متخصصين في قانون الطفل
للدفاع عن الأطفال والاستفادة من الضمانات القانونية في هذا القانون وتحقيق
المصلحة الفضلي للأطفال
فقانون
الطفل المصري رقم 126 لسنة 2008 يمثل تحولاً إيجابياً في كيفية تعامل المجتمع مع الأطفال
في تماس مع القانون والمعرضين للخطر. والتدابير الاجتماعية التي جاء بها هي بمثابة
دليل على أن حماية أطفالنا ورعايتهم مسؤولية مجتمعية وليست فقط مسؤولية الأبوين.
وإلى اللقاء في المقال القادم،،،
تعليقات
إرسال تعليق