المصيدة…
- سأقتله!
هكذا صحت وكلي تصميم وإصرار، بينما أمُد يدي لأتناول (البلوفر) الجديد
الذي اشتريته في تخفيضات نهاية الشتاء الماضي بثمنٍ غالٍ. رغم أنه من المفترض “تم
تخفيضه إلى نصف السعر” بسبب الـ Sale كما
أخبرني البائع.
- سوف أشتري اليوم سُمًا وأقتله. لابد أن يدفع ثمن فعلته. والثمن لا يقل عن حياته.
فردت أمي ذراعها عن أخره حتى تناولني قطعة الثياب الثمينة التي كانت
تُخرجها لي مع باقي الملابس الشتوية. وتفرزها لتجهيزها للاستخدام في أيام برد
الشتاء الزاحفة.
- أنت المُخطئ. قلت لك يجب أن تتخلص منه سريعًا. إما بالمُطاردة والطرد. أو بقتله. ما كان يجب أن تنتظر كعادتك في كل شيئ.
كتمت ألمي من وقع خناجر حروف الكلام المعتاد عن حبال صبري الطويلة في
اتخاذ القرارات. وعن طول آناتي وبالي، بعد القرار، في الفعل والتنفيذ.
- اليوم سأفعل. بل حالاً!
هممت بأن أرمي (البلوفر) من يدي على أرضية غرفة النوم المكدسة ببالات
الملابس الشتوية التي أخرجتها أمي من باطن الدولاب. أو أنزلتها من فوق سطحه العامر
بكل أنواع أدوات حفظ الملابس. كالشنط الجلد أو القماش القديمة والكبيرة، الكراتين،
أو حتى الأجولة أو الأكياس البلاستيكية كبيرة الحجم سميكة الخامة. كانت الأرض
مزدحمة بأدوات وأواني المطبخ الجديدة التي تشتريها، والتي لابد أن يتم حفظها لوقتٍ
ربما يصل إلى عدة سنوات فوق الدولاب أو في جوفه أو أسفل السرير. قبل أن تقوم
بإخراجها بحذرٍ، واستخدامها بحرصٍ وتنظيف إذا ما دعت الحاجة المُلحة لهذا
الاستخدام. على أن يكون ذلك على مراتٍ متباعدة، تظل فيها الأداة أو الوعاء، تدخل
المطبخ للاستخدام السريع، ثم تخرج لتعود إلى مكان إقامتها المعتاد بعد تلميعها لساعات.
وأخيرًا، وبعد وقتٍ لا أدري كيف يمكن تحديد مدته، أجدها قد غيرت من عنوان إقامتها
الدائم من جوف الدولاب إلى قلب المطبخ. مؤكد لأنه سيحل محلها شيئ آخر.
فقبل أن أُسقط البلوفر من يدي فوق كل هذه الأشياء. أمسكت ياقته
بأصابعي وعيوني تتفحصها. ثُقبٌ يمر منه الضوء المنعكس على الأشياء المُلقاة تحته.
ثُقبٌ بارزٌ لن يمكن إخفائه عن العيون أبدًا. كما لن يمكن رتقه. قبضت أصابعي على
الياقة التي في يدي وأنا أتخيلني أقبض على رقبته بكل قوتي لأخنقه. ها هي كسوة
الشتاء الجديدة الأساسية لهذا العام في يدي. لكنها لن تمس جسمي سوى داخل المنزل
إذا ما أردت ارتدائها.
أسقطت البلوفر في غضب، وتهيأت للخروج من الغرفةِ تاركًا أمي تقوم
بمهامها الفصلية المعتادة بين الشتاء والصيف. فنحن لا نعرف عن فصل الربيع سوى أنه
نهاية الشتاء الذي فيه نتخفف من ملابسنا الثقيلة. ونحتفل بأثنين شم النسيم كتراثٍ
فرعوني يتبع دائمًا أحتفال المسيحيين بيوم أحد القيامة، ويعلن قدوم الصيف. كما
أننا لا نعرف عن الخريف سوى أنه بداية النهاية لحر الصيف. وإعلان هجوم صقيع الشتاء
في نوفمبر وديسمبر، وأعياد الميلاد.
قبل أن أخرج، ارتفع صوت أمي الغاضب وهي تشير بإصبعها إلى قاع الدولاب:
- أنظر!
- ماذا؟
أشارت بإصرار وقالت
- أنظر!
فنظرت نحو اتجاه أصبعها، لتقع عيني على سطح قاع الدولاب المثقوب أيضًا
في الزاوية الداخلية العميقة. فتافيت من نشارة الخشب كانت متناثرة. الورق الذي
تفرشه أمي ليغطي السطح الخشبي لقاع الدولاب أو للأرفف كان متآكلاً. خطوت فوق الأشياء
والملابس الكثيرة التي تفصلني أمتار عن الدولاب لأرى بشكل أفضل. ظهر الغضب على
وجهي وفي عيني وفي ضمة يدي التي استندت بها على جسم الدولاب من الخارج وأنا أميل
للأمام لكي أنظر. صدمتني مع المنظر رائحةٌ نفاذةٌ وتكورات سوداء صغيرة تشبه الخرز
أو الترتر الأسود لكنها ذات رائحة مُنفِرَة.
- هذه آثاره، لقد عاش هنا وعاث فسادًا.
- لقد تسبب في خراب الدولاب وفي خسارتي ملابسي
الجديدة.
- ليته اكتفى بهذا. فهو من المؤكد أنه يسخر
منا. ويترك لنا فضلاته قبل أن يختفي.
- أنت السبب. طلبت منك كثيرًا أن تتخلص منه.
قلت لك أني أسمع صوته في الأنحاء. أصحو بالليل على صوت خربشة. قلت لي “لا
تصدقي. ليس من المعقول أن يوجد ها هنا ونحن ننظف المكان كل يوم. ولا يوجد هنا
طعام أو بقايا أكل في غرفة النوم.”
صمت ولم أرد على لومها لي. فأنا الآن تنفجر في داخلي براكين الغيظً،
وأيضًا قهقهات ساخرة من فُجرِ ذاك المجرم. أنا لا زلت غير مصدق لما أرى. غير مصدق
أنه موجود. وإن كان موجودًا لا أصدق قدرتهُ على فِعل ما أرى.
تراجعت للخلف، واستدرت لأخرج
- إلى أين؟
- ذاهبٌ لشراء السُم؟
- وهل تعتقد أنه لا يزال في انتظارك حتى تقتله؟
- مممممممممممممممممم
- وأين ستضع هذا السم؟ هل ستضعه في غرفة النوم؟
- ممممممممممممممممم
- أنسيت أننا وضعنا المصيدة أسبوعًا ولم يدخلها؟
- ممممممممممممممم
- لماذا أنت صامت؟ رُد!
خبطت كفي بكفي، وأشرت بعلامة الحيرة. ثم تفتق ذهني بأن أستبدل القتل
بالسم، بأن أقتله بالضرب المبرح فوق رأسه وجميع أنحاء جسده.
- إذا لم يكن من بُد، فلتساعديني في تفريغ كل ما في الغرفة ونقله للصالة أو للغرفة الثانية حتى أبحث عنه وأقتله… لسوف أقتله!
تركتني أمي أفعل ما شئت معلنة أنها لم تعد تمتلك (صحة) للرفع وللنقل.
يكفي ما تقوم به من إعداد الطعام وغسيل الملابس و……………و………………………..
فبدأت، أنقل محتويات الغرفة الكثيرة جدًا إلى الخارج قطعة وراء قطعة.
أجرجر ما لا أستطيع حمله مع زعيق أمي المتكرر والمتتالي بأن أنتبه من الأرض الزلقة
أو المتسخة أو التي ستتسبب في فتق وقطع ما أسحبه بالتأكيد. حتى أنتهيت من إخراج
معظم الأشياء القاطنة في الغرفة منذ عصور. وأغلقت الباب.
- الآن، أنا وأنت وقطع الأساس الكبيرة فقط سنتواجه.
أمسكت بفردة حذاء ثقيلة في يد اليمنى، وألبست اليسرى كيسًا من
البلاستيك حتى إذا ما استطعت قتله أو الإمساك به لوضعته فيه وأقفلته. تاركًا إياه
بداخله حتى يختنق.
فأنا كلي تصميم أن أقتله.
بدأت بتحريك قطع الأثاث التي في الغرفة، والتي لم أستطع إخراجها لكبر
حجمها، وصعوبة فكها في وقت قصير. حركت السرير وأنا أضرب على قوائمه لأخيفه فيترك
مخبأه. ناديته ونعته بالجبان مطالبًا إياه أن يظهر ويواجهني مرات ومرات. حركت
الدولاب الفارغ من ساكنيه. وقفت على كرسي لأرى سقفه وأبحث فيه وأفتشه من أعلى.
كررت المناداة، والمناجاة لعله يظهر. هذا الكومودينو ربما يكون مخبأه. حركته،
وفككت أدراجه وفحصته. لا شيئ، ولا أحد. كررت الطرق على السرير، وعلى الدولاب،
والتسريحة والكرسي. لا صوت. لا حركة.
فهل يخدعني؟
فحصت حوائط الغرفة ربما يكون فيها شقوق صنعها لتصير مخبأه. لا شيئ.
هممت بأن أعيد فحص الدولاب مرةً أخرى، إلا أن صراخ أمي من خارج الغرفة
دفعني للخروج بسرعة.
- ماذا هناك؟
- هل وجدته؟
- لا أبدًا.
أشارت على السلالم في الخارج وقالت
- خُيل لي أن ظلاً قد تحرك ها هنا.
- ماذا؟
وسقطتُ فوق أرضية الصالة أمام باب الخروج من
شدة التعب والغيظ. فأنا أبحث عنه هنا في الداخل، وها هو يسخر مني هناك في الخارج.
والملابس، والأدوات، وباقي أثاث الغرفة التي تقريبًا أفرغتها؟ ليس أمامي سوى أن
أُعيدها إلى داخل الغرفة. وليس أمامي سوى أن أتركه يمرح في المتبقي له من زمن في
حياته إلى حين اختياري لوسيلة إنهائها.
وشرعت في إعدادها
المصيدة
القصة من تأليف/ أسامة الأديب
تعليقات
إرسال تعليق