كيفية
مواجهة الضغوط النفسية؟
يواجه الإنسان على الدوام أعدادًا لا حصر لها من
المواقف والتجارب الحياتية التي يشكل بعضها ضغطًا على نفسيته. حيث أن هذا البعض قد
يكون نوع من الخبرات القاسية صعبة الاحتمال. أو تكون عبارة عن تجارب فيها الكثير
من التحدي والصعوبة بجانب القسوة. وهذه الضغوط والمشكلات تتسبب في عمل زعزعة في
التوازن وفي الاستقرار النفسي والبدني/ الجسماني أو الجسدي للإنسان.مما يؤدي إلى
حدوث الكثير من الاضطرابات النفسية التي قد تصل إلى المرض بسبب التعرض لمثل هذه
الضغوط باستمرار أو بشكل/ بصورة مبالغ فيها. حيث أن مثل هذا التعرض المستمر للضغوط
يتسبب في الإرهاق، والإجهاد، والإنهاك البدني والنفسي. وهنا لابد من أن نقول
بالتأكيد على أن أي إرهاق أو إنهاك نفسي يؤثر فيما يؤثر بالسلب على النواحي
الجسمانية/ البدنية ويتسبب في إرهاق وإنهاك الجسم أيضًا.
فما هي الضغوط النفسية؟ وما هو تعريفها؟
لا يوجد تعريف واحد من الممكن أن يكون من النوع الجامع المانع
لمصطلح “الضغوط النفسية”. بل توجد العديد والكثير من التعريفات التي تختلف باختلاف
نوع الضغوط التي تتحدث عنها وتتناولها. وقد تم تعريف الضغوط النفسية بأنها،
"استجابة داخلية لما يدركه الفرد من مؤثرات داخلية، أو خارجية. تسبب تغييرًا في توازنه الحالي."
ويتطرق علم النفس إلى أن هذه الضغوط النفسية التي تنقسم إلى نوعين على النحو التالي:
- النوع الأول من الضغوط النفسية هو الضغوط النفسية
الإيجابية. تلك التي تدفع الإنسان لكي يتحرك بشكل سليم وتحفزه للوصول إلى أفضل
آداء ممكن. فهذا النوع من الضغوط مفيد للإنسان حيث يزيد من نشاطه ويحفزه للحفاظ
على حياته ويمنحه المزيد من الهنا والسعادة.
- أما النوع الثاني من هذه الضغوط فهو الضغوط النفسية
السلبية. تلك الضغوط التي تقلل وتخفض من مستوى آداء الفرد. وهو النوع الذي إذا ما
استمر سوف يؤدي إلى مشكلات صعبة على المستويين النفسي والجسدي.
بعض من الأسباب التي قد تؤدي إلى الضغوط النفسية
- ما يقاسيه المرء من صعوبات أو تحديات في الحياة اليومية
- إذا ما حدثت خطوب أدت إلى تغيرات كبرى في حياة الإنسان تكون بشكل متوقع أو غير متوقع. فالخوف والقلق من التغيير يزبد من الضغط النفسي على الإنسان في الحياة.
- أي مشكلات يتأخر الإنسان في مواجهتها وحلها. وأي ظروف صعبة قد يواجهها الفرد في الحياة وتستمر معه تضغط عليه دون توقف.
بعض من العلامات الأولى التي قد تظهر على الإنسان نتيجة التعرض للضغوط النفسية
- حدوث مشكلات في النوم، كالأرق والسهر بدون رغبة والاستيقاظ مع وجود الشعور بحاجة للراحة والنوم من جديد (عدم الشبع من النوم أو الارتياح فيه).
- الإنفعال لأي وبأي سبب وبشكل دائم ومستمر
ومع الزيادة في الضغوط النفسية قد تحدث بعض أو كل من المشكلات
التالية سواء كانت نفسية أو جسدية/ جسمانية:
- يبدأ الإنسان في الدخول إلى مراحل من الاكتئاب، والكآبة.
- يشعر الإنسان بمشكلات في التنفس أهمها “ضيق التنفس”.
- يعاني الإنسان من زيادة العرق في ما يعرف بالـ “تعرق”.
- حدوث مشكلات في المعدة يعني منها الإنسان وتعرف بـ
“تماوج المعدة”. وأيضًا الشعور بحرقان أعلى المعدة.
- يشعر الفرد ببعض الآلام في القلب أو المشكلات بما يعرف
بالـ “خفقان أو قصف” القلب.
- يحدث جفاف في الفم والحلق بشكل متكرر.
- يعيش الفرد في القلق ومشاعر الخوف والهلع وعدم الراحة/ الارتياح بشكل مستمر
- قد يعاني الإنسان من نوبات متكررة من الصداع والتوتر
- الشعور الدائم بالتعب والإرهاق
- قد يعاني المرء من ارتعاش في اليدين بسبب الضغط النفسي
وعدم الاتزان.
اقتراحات وأساليب تساعد في التخلص والتخفيف من الضغوط النفسية بشكل ذاتي ودون الحاجة لمساعدة من أحد
يمكن أن تكون بعض الضغوط التي إذا لم تستمر طويلاً ولم تتكرر
كثيرًا مجرد تجارب نتعلم منها وبذلك تكون مفيدة لتقوية الإنسان نفسيًا وجسديًا.
وتساعد في زيادة الخبرات إذا ما تم التخلص منها بسرعة وحلها مما يؤدي إلى عدم
جعلها ضغوطًا إذا ما تكررت لأن الفرد سيكون قد عرف وخبر كيف يتعامل معها من خلال
تراكم الخبرات. فعلى سبيل المثال، لو أن الضغط كان مصدره وجود الكثير من الأعمال
المطلوب تنفيذها. فعلى الفرد أن يقوم بتنظيم تلك الأعمال وترتيبها من الأهم فالمهم
حسب الأولويات. كما أنه قد يضضطر لبذل جهد أكبر أو قضاء وقت أطول في إنجاز بعض
الأعمال للانتهاء منها بشكل أسرع ورفع الضغط عن نفسه.
وهكذا في مثل هذه الضغوط يكون قد تعلم وزاد من خبراته حتى إذا
ما تكررت يكون قد عرف الحل. ويكون قد علم كيف يصل إلى الراحة ورفع هذه الضغوط
والتعامل معها بكل يسر وسهولة.
ومن الاقتراحات التي قد تساعد أي إنسان على التخلص أو التخفيف من
الضغوط بشكل عملي المقترحات التالية:
- يجب أن يعرف المرء ما هو مصدر قلقه. لماذا يقلق؟ مماذا يقلق؟ فتحديد مصدر القلق ومعرفته أمر هام لمواجهته والتخلص منه.
- على المرء أن ينظم أمور حياته بحيث تكون صحية أكثر.
- فاتباع نمط صحي أكثر في الحياة كالالتزام بتناول الصحي من الطعام والشراب. تنظيم مواعيد الطعام ومحتوياته. النوم في مواعيد منتظمة ووقت كاف للراحة. ممارسة الرياضة بشكل منظم مع البعد عن تناول وشرب المشروبات التي تحتوي على كحول. الاهتمام بتقضية بعض من الوقت في الأنشطة الاجتماعية Socialization… إلخ. كل هذا يساعد في تخفيف الضغوط وإزالتها ومنح الفرد القدرة على التعامل معها والتغلب عليها.
- المستقبل بيد الله، ونحن نعمل ونخطط له ولكن الإيمان بالله وبأن كل ما يأتي في المستقبل حتى وإن كان بخلاف ما خططنا له فهو خير في موعده. يجعلنا لا نقلق بشأن المستقبل ولا نخاف منه أو عليه. وبهذا نخفف من الضغط الذي قد يضعه علينا القلق والخوف من المستقبل.
- أيضًا من الأمور الهامة ألا يقوم المرء بعمل مقارنة بين نفسه والآخرين. فتربويًا، إن أفضل مقارنة يمكن أن تتم تكون بين الفرد ونفسه على مراحل زمنية للتقييم الذاتي وإعادة التخطيط والحصول على دفعة للأمام.
- أن يمارس المرء الاسترخاء أو التأمل. فكلاهما من الأنشطة التي
تقلل من حدة التوتر وتخفف من مشكلات الضغط النفسي. أن يجعل الفرد خلالهما
تركيزه على أشياء خارج أو بعيدة عن نفسه. مثل التحدث مع أشخاص من العائلة أو
الأصدقاء. مشاهدة التلفاز، ممارسة التمرينات الخاصة بالتنفس… إلخ.
- يمكن الاستعانة بأي من الأصدقاء أو الأكبر سنًا منا أو العائلة
وبعض من أفرادها. والحديث معهم حول أي من الضغوط التي يعاني منها الفرد
والتعلم منهم ومن خبراتهم الحياتية. مع الحرص في اختيار أي خبرة نتبعها لأن
ليس كل الخبرات نافعة ومفيدة لكل الأفراد على السواء. فلكل فرد خبرته الذاتية
التي قد لا تنفع إلا معه.
تنويه هام للتخلص من والقضاء على أو على الأقل التخفيف من بعض
الضغوط النفسية خصوصًا طويلة الأمد والمستمرة
لابد وأن يدرك المرء أن الضغط النفسي المستمر لأمد طويل والقلق
والتوتر الذي يستمر لزمن ممتد. يكون من الصعب التعامل معه أو حله بشكل ذاتي. لذلك
يكون من الأفضل على الإنسان أن يطلب مساعدة سواء من قريب أو من منخصص نفسي وإلا
سوف تكون العواقب النفسية والجسمانية/ البدنية صعبة ووخيمة. فللوقاية من أمراض
نفسية أو جسمانية/ بدنية أعظم لابد أن يلجأ الشخص الواقع تحت الضغوط النفسية والذي
يعاني منها إلى طبيب أو مرشد نفسي. حتى يستطيع أن يصف له الدواء الذي يحتاج إليه
أو الأسلوب النفسي الذي يتبعه قد يتخلص من هذه الضغوط.
وفي المؤسسات التربوية، كان لابد وأن يكون هناك مرشد نفسي معين
للطلبة. لكي يساعدهم في وقت الحاجة لأجل أن يتغلبوا على أي ضغط نفسي مصاحب
للمذاكرة، أو للامتحانات، أو لأي مشكلات أسرية وعائلية قد تهدد نمو الطالب العلمي
والتحصيل الدراسي له. ومع البالغين أيضًا الذين أنهوا دراستهم ويعملون. لابد من
توفير مثل هذه الخدمة أيضًا. فالضغوط النفسية الشديدة على الفرد سوف تخفض بكل
تأكيد من دافعيته إلى العمل وتقلل منها إلى الحد الذي يجعله لا يعمل ولا ينجز.
مثال صارخ في أخبار أيامنا الأخيرة عما قد تقود إليه الضغوط النفسية
سبق وأن قرأنا عن حادث
انتحار أحد الموظفين في شركة خاصة تقع في منطقة التجمع الخامس في مدينة القاهرة.
وحسبما انتشرت الأنباء فإن ذلك الحارس الذي أقدم على الانتحار كان يعاني من ضغوطًا
شديدة ومتواصلة على مستواه الشخصي، والتي على رأسها الديون المطلوب منه سدادها. أو
على مستوى العمل الضغط الذي مارسه مديره المباشر عليه دون النظر أو الاهتمام بأي
ظروف يعاني منها.
وهذا المثال الواضح والمعلوم مثالاً حياتيًا عما قد يصل إليه
المرء في حالة التعرض المستمر والمتكرر للضغوط. دون الحصول على أي دعم نفسي سواء
بشكل ذاتي من أساليب وعوامل تخفيف الضغوط النفسية. أو بالاستعانة بمرشد نفسي أو
طبيب يقوم بتوجيهه للعلاج المناسب سواء كان في صورة أدوية أو في شكل إجرا تعديلات
في النمط الحياتي الذي يعيشه. وقد تم ذكره هنا للتحذير منه، فلا يمكن لأي إنسان أن
يقدم على اقتراف جريمة الانتحار ويؤدي بنفسه وروحه إلى التهلكة. فالحياة أثمن
وأغلى من أي مشكلات بالصبر وبالعقل وبالاستعانة بالآخرين وببعض الزهد والإيمان يمكن
التغلب عليها. لا أن يتم التخلص من الحياة بسببها وخسارة الدنيا وأيضًا خسارة
الآخرة.
وختامًا،،،
نتمنى من كل فرد أن يكون على وعي أكثر بذاته، وأن يخلص لها
ويحبها بالقدر الذي يجعله يتوقف حين يشعر بالضغوط. ويفكر فيها ويحلل المواقف التي
يمر بها حتى يصل إلى سبب أو أسباب هذه الضغوط الجوهرية. لكي يكون على مقدرة بعد
تعرفها وتحديدها بأن يحلها ويتعامل معها ويخفف عن نفسه من الآلام التي قد تدمره.
كما أن المرء عليه ألا يخجل من أن يطلب المساعدة ممن لهم خبرة أكثر منه في الحياة
أو في العلم للتغلب على أي ضغوط. فلو كانت هذه الضغوط من داخلنا فمن الهام جدًا
مصارحة النفس ومصارحة من يساعد في التغلب عليها. أما لو كانت من الخارج فعلى
الإنسان أن يقيم المشكلات والظروف والعلاقات تلك التي قد تضع على كاهله من الضغوط
ما لا يمكن له أن يطيقه. وعليه أن لا يخسر نفسه أبدًا ويحافظ عليها حتى ولو كان
المقابل خسارة مال أو عمل أو علاقة ما لا يمكن الاستمرار فيها.
تحياتي، وأبعد الله عنكم الضغوط السلبية وأضرارها وألهمكم الصبر
على الضغوط الإيجابية التي نتعلم منها وتمنحنا الحوافز للإنجاز والنجاح في الحياة.
فليس كل الضغوط هي ضغوط غير مفيدة.
تعليقات
إرسال تعليق