مكافحة الفساد واجب على كل العباد
اختارت الجمعية العامة للأمم المتحدة UN اليوم التاسع من شهر ديسمبر في كل عام ليصبح اليوم الدولي لمكافحة الفساد في العالم. وقد جاء اختيار هذا اليوم بعد اعتماد “اتفاقية الأمم المتحدة لمكافحة الفساد”. التي قام بالتوقيع عليها الدول الأعضاء في الأمم المتحدة في أكتوبر عام 2003. وقد جاء اختيار هذا اليوم من المنظمة الدولية لأجل التوعية بأهمية مكافحة الفساد في كل صوره والوصول إلى منعه والوقاية منه بعد أن تم تجريمه.
وطبقًا لموقع الأمم المتحدة www.un.org فإنه قد تم الإعلان أن اليوم العالمي/
الدولي
لمكافحة الفساد في عام 2021. تم تخصيصه من أجل تسليط وإلقاء الضوء على
الحقوق الخاصة بالجميع، جنبًا إلى جنب مع مسئولياتهم. في التصدي ومكافحة الفساد
على جميع المستويات.
بدءًا من مستوى الدول ومستوى المسئولين الحكوميين وغير
الحكوميين، وجميع مستويات الموظفين من المدنيين. ومنهم القائمين بإنفاذ القانون
والإعلاميين والقطاعين المدني والخاص. وحتى قطاعات الشباب والجمهور بشكل عام
والأوساط البحثية والأكاديمية.
تعريف الفساد
لا يوجد تعريف محدد لمصطلح "الفساد". لكن الفساد يُعرف بالمجال
أو بالجهة التي يرتبط بها. ومن المثير للحزن أنه يرتبط بكل نواحي الحياة. فهناك
الفساد السياسي، الفساد الإداري، الفساد الاقتصادي، الفساد الاجتماعي… إلى آخره من
المسميات.
ولكن لو بدأنا من ناحية اللغة، فإننا عندما نقول "فسد الشيئ" أي
لم يعد صالحًا للاستخدام. وهو يأتي في معاني كثيرة: كالجدب، القحط، التجبر
والطغيان، وأحيانًا العصيان. كما أن الفساد يعرف كمصطلح في الأوساط المختلفة بأنه
الاستعمال أو الاستغلال السيئ للسلطة أو للوظيفة العامة من أجل تحقيق مصالح شخصية.
وإن كان هذا التعريف موجه أكثر للعاملين في القطاع الحكومي. إلا
أن العمل من أجل تحقيق مصلحة شخصية بوجه عام تكون على حساب مصالح الخير وخصمًا من
حقوقهم لهو فساد بشكل عام.
أشكال الفساد المختلفة
فالنفاق يعتبر فساد، الرشوة فساد، عدم الشفافية وإخفاء المعلومات
والبيانات فساد. العمولات غير الشرعية (من تحت الترابيزة كما يقال) فهي فساد.
تعيين الأصحاب والأصدقاء والأقارب في الوظائف دون عدالة ودون كفاءة وعلى حساب
الآخرين لهو فساد. المجاملات على حساب العمل فساد، التغاضي عن انتهاك القواعد
والقوانين فساد، الدفاع عن المجرمين والآفاقين والكاذبين والمرتشين والذين استغلوا
مواقعهم فهو فساد فساد فساد.
وأصعب الفساد ذاك الذي يمس الأخلاق ويسمى “الفساد الأخلاقي” لأنه يمس تحطيم كل المثل العليا والقدوة التي قد يتخذها الآخرون. ويؤدي إلى فقدان الثقة للإنسان في مجتمعه وتقاليده وقيمه التي تربى عليه فينهار الفرد وينهار المجتمع.
الأسباب وراء انتشار الفساد
أول ما يتبادر إلى الذهن عند الحديث عن أسباب الفساد يكون "غياب
الوازع الديني." نقولها هكذا لكي نرتاح، ويتمثل الحل بعدها في أن الإنسان لا بد
وأن يرجع إلى دينه وتعاليمه وكفى. وهكذا نرتاح ولا نتعب في البحث عن الأسباب
وننفعل حين نرى الفساد بعدها لا يزال ينتشر. جنبًا إلى جنب مع مظاهر التدين الشكلي
الذي ينتشر في المجتمع في الملبس والمأكل والمظهر والتعاملات والانفعالات… إلخ.
فهل بالفعل هذا هو السبب في انتشار الفساد؟ غياب الوازع الديني والأخلاقي؟
في رأيي
الشخصي إن أسباب انتشار الفساد لا تنحصر في تكاسل الناس عن “التدين”. ولكنها
تتمحور أكثر حول:
- انتشار الفقر والإفقار يؤدي إلى انتشار وشيوع الفساد.
- غياب العدالة يؤدي إلى انتشار وشيوع الفساد لأنه في الأصل فساد.
- قمع الحرية والاستعباد فساد ويؤدي إلى الفساد والإفساد.
- نشر وانتشار الجهل والتجهيل فساد ويؤدي إلى تثبيت وانتشار ونشر الفساد.
- االتشدق بالشعارات الرنانة والإنجازات الوهمية المخالفة لواقع الحياة التي يعيشها الناس فساد في فساد ويؤدي إلى الفساد وانتشاره.
- عدم مشاركة الناس في تحديد مصائرهم، والتعبير عن احتياجاتهم وترتيب الأولويات. واختيار الأفضل فيما يتم تنفيذه وعمله من أجلهم لهو أيضًا فساد في فساد في فساد.
- فكرة الصوت الواحد والرأي الواحد والقلب الواحد هي فساد ونفاق وتنشر الفساد. فالناس خلقوا وسوف يظلوا مختلفين وعلينا تقبل واحترام التنوع والاختلاف.
كل الذي تم ذكره وأكثر فساد. أكثر من التمسك بمظاهر الدين
وشكلياته، أو بترديد الآيات والأقاويل وليس العمل بما جاء فيها.
إلى ماذا يؤدي الفساد على مستوى الدول؟
يؤدي الفساد على مستوى الدول إلى كوارث سياسية واقتصادية
واجتماعية. يأتي على رأس هذه الكوارث:
- التدني في كفاءة الاستثمار بكل أشكاله خاصة الداخلي والعام في الدولة
مع العمل على إفشال أي تخطيط اقتصادي. وإضعاف للبنية التحتية infrastructure العامة وجودتها.
- عدم وجود عدالة في توزيع الثروة، وزيادة الدخل والغنى للأغنياء بينما
زيادة الفقر للفقراء. وانعدام الطبقة الوسطى وغيابها.
- انتشار الفساد إما يمنع ويحجم من وجود الاستثمار الخارجي الصحيح
بمنافعه. أو يجلب الاستثمار الفاسد وغسيل الأموال والتهريب مما يخرب ويفسد
الاقتصاد أكثر فأكثر.
كيف يمكن أن نحارب الفساد؟
- التوعية (نشر الوعي والمعرفة) بمفهوم الفساد ومظاهره والنتائج
والأخطار المترتبة عليه.
- محاربة الفساد تبدأ بمحاربة أسبابه وأهمها الفقر، الجهل، وغياب
العدالة رغم وجود القوانين الكثيرة.
- العمل على وجود نظام إداري ومؤسسي قوي.
فالإدارة الجيدة والمؤسسة لمحاربة ومكافحة الفساد ضرورية. ومجدية أكثر من العشوائية والحكم إلى الرغبة والمزاج في اختيار بعض الفاسدين ومحاربتهم في حين أن الأغلبية ينعمون بالسلام.
- دعم وتعزيز الثقة بين الناس في الإبلاغ عن الفساد والفاسدين والمفسدين.
فالناس تخشى معارضة الفاسد أو الكشف عنه وتخاف لسطوته وقدرته على إيذائهم. أو لأن من يتلقى شكواهم هو في الأصل شريك في الفساد معه.
- سيادة القانون على الجميع.
فلا عدالة بدون مساواة. ولا مساواة بدون أن يقف الكل سواء أمام
القانون. ولا فساد إلا إذا تم تفعيل القانون وسيادته على الجميع دون محاباة.
هذه بعض الاقتراحات العامة وليست التفصيلية عن الفساد، أسبابه،
مظاهره، وطرق مكافحته. حيث يمكن الكتابة عنه في مجلدات خاصةً في بلداننا العربية
التي تعاني من الفساد أيما معاناة.
الأمم المتحدة ومكافحة الفساد في عام 2021
وقد تبنت منظمة الأمم المتحدة في العام الحالي الذي قارب على
نهايته، 2021. حملة لمكافحة الفساد والتوعية به لمدة 6 أسابيع. بدأت هذه الحملة
الدولية منذ نوفمبر 2021. وقد تبنت هذه الحملة شعار:
"احفظوا حقوقكم، واضطلعوا بأدواركم، وقولوا للفساد لا".
1.
التربية والشباب.
2.
الرياضة.
3.
النوع الاجتماعي (الجندر).
4.
القطاع الخاص ودوره في الاقتصاد وفي مكافحة الفساد.
5.
جائحة كورونا (كوفيد 19) وتأثيره على العالم.
6.
وأخيرًا التعاون الدولي في جميع المجالات وخاصةً في مكافحة الفساد.
وسيتم ذلك من خلال تبادل ممارسات وخبرات مكافحة الفساد بين جميع الدول. من أجل تعاون دولي أكثر لمناصرة قضية مكافحة الفساد والجريمة. واسترداد أي أصول تكون مسروقة ومنهوبة من الدول وإعادتها. والعمل على الوقاية من انتشار الفساد بالتعليم، وبالتثقيف وبالتوعية القانونية. وتميكن الناس من الآليات والوسائل التي يمكنهم بها كشف، ومكافحة الفساد حتى الوصول للحلم بالقضاء عليه.
كما تؤكد الأمم المتحدة أن ذلك لن يكون إلا بالتعليم، والتوعية،
وبتكاتف الجهود خاصةً من المجتمع المدني. والأكاديميين، ووجود قنوات واضحة وقوانين
فعالة وإجراءات معلنة يمكن من خلالها أن يكون الكل في مواجهة الفساد لكشفه وتعريته
ومكافحته. كما تؤكد على ضرورة الالتزام بالشفافية وإتاحة المعلومات والبيانات
للجميع.
تعليقات
إرسال تعليق