حين ينقذ القانون طفلاً …

 حين أنقذ القانون طفلًا من الإيداع
قصة تكشف فلسفة العدالة البديلة لسلب الحرية

حين ينقذ القانون طفلاً …

داخل إحدى قاعات محكمة الطفل بالقاهرة، جلس "أ" (14 عامًا) متوترًا، تتزاحم في رأسه مخاوف من أن ينتهي به الحال خلف 

القضبان مثل بعض رفقاء الحي. كان قد تورط في جريمة سرقة بسيطة بدافع الطيش، لكن ما حدث في تلك الجلسة غيّر مسار حياته 

بالكامل.

بدلًا من أن يصدر القاضي حكمًا بإيداعه في أحد مؤسسات الرعاية الاجتماعية، قرر أن يطبق ما نص عليه قانون الطفل المصري 

من "تدابير بديلة للعقوبات السالبة للحرية". لم يكن الحكم حبساً ولا غرامة، بل إلزام الطفل (أ) بالالتحاق ببرنامج تأهيلي اجتماعي 

(الالتحاق بالتدريب المهني)  تحت إشراف مكتب المراقبة الاجتماعية التابع لمنطقة سكن الطفل. هنا بدأت رحلته الجديدة نحو الإصلاح.

العدالة التي لا تقتل المستقبل

القانون المصري للطفل رقم 126 لسنة 2008 شدد على أن الهدف من هذه التدابير هو التقويم والعلاج لا العقاب والإيلام. 
فالأطفال ليسوا مجرمين بالمعنى التقليدي، بل يحتاجون إلى التوجيه والحماية من الانزلاق أكثر في دائرة الجريمة.

ولذا أكد المشرع المصري علي أربع قواعد أساسية لتعزيز فلسفة هذه التدابير كما يلي:

🔹 لا جمع بين التدابير: مهما تعددت الجرائم التي ارتكبها الطفل في وقت سابق علي المحاكمة، يحكم القاضي بتدبير واحد 
مناسب، لأن الغاية هي الإصلاح لا العقاب المركب.
🔹 حق الاستئناف: يمكن للطفل أو من ينوب عنه الطعن على الحكم بالحبس او السجن، باستثناء التدابير الاجتماعية مثل التوبيخ 
والتسليم لان المشرع يري ان التدابير البديلة لسلب الحرية هي علاجات لأصلاح الطفل وتأهيله وإعادة إدماجه في المجتمع مرة اخري.
🔹 التنفيذ الفوري: بعكس العقوبات الجنائية (الحبس، السجن) التي تنتظر أن تصبح نهائية، التدابير تُنفذ فور صدورها لضمان 
سرعة التدخل وعلاج الطفل واصلاحه.
🔹 لا وقف للتنفيذ: فالتدبير في جوهره ليس عقوبة قابلة للتعليق، بل أداة لحماية الطفل من الخطورة الاجتماعية لذا لا يقف تنفيذه 
كالأحكام الجنائية.

شهادة من الميدان

تقول أخصائية اجتماعية تعمل مع محكمة الطفل: "كثير من الأطفال الذين نحصل على فرصة لدمجهم في برامج التأهيل، 
ينجحون في العودة للدراسة أو التدريب المهني، بدلًا من الانحراف المتكرر. الفارق أن القانون هنا يمد لهم يد العون بدل أن يدفعهم 
أكثر نحو الانغلاق والوصم".

رسالة القانون

قصة الطفل (أ) ليست إلا مثالًا واحدًا من مئات الحالات التي تعكس جوهر فلسفة قانون الطفل: العدل لا يعني العقاب فقط، بل حماية 
المستقبل أيضًا. فحين يُمنح الطفل فرصة ثانية، يربح المجتمع بأسره.

حين ينقذ القانون طفلاً …

المقال بقلم: أ. إلهام محمود

المحامية واستشاري حقوق الطفل 



اقرأ أيضًا

من العقوبة إلى الحماية: دور مكاتب المراقبة الاجتماعية في مصر

حماية حقوق الأطفال وتحسين أوضاعهم القانونية والاجتماعية

الفرق بين التدابير الاجتماعية والعقوبات ... والأثر على الطفل والمجتمع والاقتصاد المصري 

قراءة في التدابير الاجتماعية في قانون الطفل المصري 

قانون الضمان الاجتماعي رقم 12 لسنة 2025: خطوة نحو حماية اجتماعية عادلة














تعليقات