الطفل العصبي: الأسباب، المظاهر، وكيفية التعامل
نهتم
جميعنا بأن يكون أطفالنا في أفضل حال نفسيًا وجسديًا وسلوكيًا. ولذلك نقرأ كثيرًا
حول تربية الطفل، وحول كيفية تعديل
سلوكياته التي نرى أنها غير مناسبة. ومن أهم وأكثر السلوكيات التي توجعنا ونخاف
على الطفل أن يسلكها ويعتاد عليها هو السلوك العصبي. أو بمعنى آخر الطفل العصبي
وهو أن يكون الطفل من النوع العصبي والانفعالي والغضوب.
فهل سألنا من قبل أنفسنا ممن أو من أين اكتسب الطفل هذا السلوك؟
فعلماء النفس يقولون أن
عصبية الطفل قد تكون تقليدًا لتصرف أطفال آخرين يتعامل معهم. ويسمون هذا بالمحاكاة
أو التقليد Mirror Neuron. وهو التعبير عن مجموعة الأعصاب الموجودة في مخ
الإنسان والتي تساعده للتعلم عن طريق التقليد والمحاكاة والتعاطف مع الآخرين.
أيضًا يؤكد العلماء أن
هذه العصبية قد تكون تقليدًا لأحد الأبوين أو كلاهما. فالطفل هو مرآة أبويه وبيئته
التي تحيط به. فعندما يقوم الأب أو الأم بفعل أو بسلوك معين فالطفل يستقي منهما
وينفعل مثلهما ويقوم بتقليدهما ومحاكاتهما في السلوك.
وتؤكد الدراسات المختلفة
أيضًا أن دور العوامل الوراثية في تكوين شخصية الطفل وتشكيلها ليس أكثر من 25%.
بينما دور البيئة والمحيطين به من أشخاص على رأسهم الأب والأم ومن بعدهم الأخوة
والأصحاب والتجارب التي يمر بها الطفل وتؤثر في تشكيل وتكوين شخصيته قد تصل إلى 75%.
ولهذا
ينبغي على الأباء والأمهات الانتباه لسلوكياتهم وأقوالهم وأفعالهم أمام
الأطفال لأنها تؤثر فيهم وتكون شخصياتهم المستقبلية.
فما هي المظاهر العصبية لدى الأطفال؟
- العنف الجسماني، والذي
يظهر في إيذاء الآخرين في أجسادهم بأي شكل من الأشكال. سواء كان عن طريق الضرب، أو
الدفع بشدة. أو الرفس والعض وخلافه من أساليب الأذى الجسماني سواء باستخدام أدوات
حادة أو بدون.
- التخريب بكل أنواعه،
مثل إلقاء الأشياء أو تكسيرها أو تخريبها عن عمد. أو إلقاء الطعام وسكب المياه، أو
القيام بأي عمليات إتلاف سواء لأشيائه او أشياء غيره.
- الصراخ والعويل والتهديد والتعدي باللألفاظ النابية والمهينة على النفس وعلى الآخرين.
لماذا يصبح الأطفال في غاية العصبية؟ (الأسباب)
هناك العديد من الأسباب التي تجعل من الطفل شخص عصبي يتعامل بعنف وغضب دائم. قد قامت الدراسات بتقسيم هذه الأسباب إلى: أسباب طبية، أسباب نفسية، وأسباب تربوية على النحو التالي.
أولاً: الأسباب الطبية التي قد تجعل من الطفل شخص عصبي
- التهابات الجيوب الأنفية
- التهابات اللوزتين
- نقص بعض الفيتامينات وخصوصًا فيتامين د
- فرط الحركة واضطرابات السلوك
- الصرع ومظاهره واضطراباته
- مرض التوحد ومشاكل الإدراك لدى الطفل
- الإمساك المزمن يؤدي إلى العصبية ما لم يتم علاجه والتخفيف منه
- الاستهزاء والسخرية من الآخرين لوجود أي صعوبات أو مشكلات في النطق
وفي التخاطب.
- الاكتئاب الذي يصاب به بعض المراهقين ويطلق عليه "اكتئاب المراهقة".
ثانيًا: الأسباب النفسية لعصبية الطفل في تعامله مع الآخرين مثل
- يصبح الطفل عصبيًا إذا فقد الحنان الأبوي واهتمام الأم والألفة بين
أفراد الأسرة.
- وأيضًا إذا شعر بشكل دائم بوجود أي نوع من الإضطهاد ضده داخل الأسرة لأي سبب كان. مثل الشكل، الترتيب، عدم القدرة على النجاح في المدرسة، اضطهاد أخوته له لصغر حجمه واستصغاره…إلخ. من الأسباب
- حين يشعر الطفل بإهمال والديه والمحيطين به له ولأحواله واحتياجاته وتفضيل آخرين عليه
ثالثًا: الأسباب التربوية التي تجعل من الطفل شخصًا عصبيًا شديد
الحساسية ومنفعل دائمًا
- عند شعور الطفل بوجود تمييز ضده ومحاباة أقرانه أكثر منه. وعدم
وجود عدالة من وجهة نظره في التعامل معه مقارنةً بالآخرين سوا كانوا من أفراد
الأسرة أو من الزملاء في محيط المدرسة أو الشلة/ المجموعة.
- عند شعوره بالحرمان سواء كان من شيئ مادي أو من شيئ معنوي كالتشجيع
أو المشاركة في إبداء الرأي… إلخ.
- إذا ما كان الأب أو الأم من النوع العصبي فالطفل بنسبة كبيرة سوف
يتعلم ويتعامل بنفس السلوك العصبي لأي منهم. فكما سبق وأن ذكرنا أن الطفل مرآة
لوالديه يقلدهما بدون وعي ويكتسب منهما السلوكيات والأنماط الشخصية بالملاحظة
والمخالطة الطويلة لهما.
- إذا قام الأبوين بتدليل الطفل بشكل كبير فإن هذا يجعله يتعامل
بعصبية حول تلبية طلباته وعدم تأخيرها. أو مقابل أي رفض أو مناقشة لرغباته في أي
وقت.
- عند شعور الطفل في أي وقت أنه مصدر قلق كبير في الأسرة. فهذا يجعل
سلوكه يتسم بالعصبية نتيجة الخوف من الخطأ وبسبب تأكيد نظرته لذاته كمسبب للمشكلات
وكمصدر للمتاعب في الأسرة.
- وأخيرًا، وليس أخرًا، إذا ما تم إجبار الطفل على أن يكبت مشاعره
ولا يعبر عنها. خصوصًا مشاعر الخوف أو الحزن بأن يقال له: الرجال لا يخافون، أو
الرجال لا يبكون…إلخ. فهذا الكبت يؤدي إلى أن يكون الطفل عصبي وانفعالي لأنه يؤثر
على أعصابه.
والآن، كيف يمكن أن نتعامل مع الطفل العصبي؟
تحدد الدراسات النفسية
عددًا من الحلول التي تساعد في التعامل مع الطفل العصبي لكي نحد من عصبيته. ولكي
نساعده في التعامل بهدوء مع نفسه ومع الآخرين وذلك على النحو التالي
التجاهل لما قد يبدر منه من بعض السلوكيات والأفعال
فالأفضل كحل أن يستخدم
المحيطين بالطفل التغافل وغض البصر عن تصرفات الطفل. وأن يتركوا له الحرية التي
خلقه الله عليها في القول وفي الفعل لكي يتمكن من تعلم كيفية تصحيح أخطائه بنفسه
وزيادة اعتماده على ذاته.
فالخطأ أفضل معلم للطفل حين يدركه ويحاول بنفسه تعديل ذاته. لذلك تغاضوا وغضو البصر وتجاهلوا أخطاء أطفالكم الصغيرة وشجعوهم على التفكير لأنفسهم واكتشاف ذواتهم وأخطائها وكيفية عدم تكرارها وتصحيحها.
إعطاء التعليمات والأوامر بشكل واضح
فالطفل قد لا يفهم
التلميحات أو التعليمات والأوامر غير الواضحة والتي بسببها قد يفشل في آداء أي شيئ
مطلوب منه. وهذا الفشل يؤدي بطبيعة الحال لزيادة توتره وعصبيته لأنه يجد نفسه فاشل
لأسباب خارجة عن إرادته ومن حوله لا يفهمون أو يقدرون ذلك.
أيضًا علي المربين
وأولياء الأمور عدم طلب أو إعطاء أمر لأكثر من عمل أو لسلسلة من الأعمال المتتالية
في نفس الوقت. فالطفل، وحتى الشخص الراشد، قد لا يكون مؤهلاً لاستيعاب كل ذلك.
أطلب من طفلك بعد أن
تعطيه التعليمات أن يكرر على مسامعك ما طلبته منه. وافهم منه إن كان قادرًا على
استيعاب كل هذا دفعة واحدة أم لا. والأفضل أن تقوم بتفتيت الأوامر والتعليمات إلى
خطوات تطلبها خطوة بخطوة في أوقات محددة وبلغة واضحة مع تشجيعه وتحفيزه ومكافأته
على النجاح في الخطوة/ الخطوات السابقة.
منح طفلك الانتباه اللازم وبشكل إيجابي
فطفلك يحتاج أن تنتبه له
جيدًا وقتما يقوم بعمل إيجابي وأن تشجعه وتحفزه. لكي يكرره ويتمسك به أكثر من أن
تنتبه له فقط عندما يقوم بفعل سلبي أو سلوك خاطئ.
فالطفل بطبيعته يحتاج إلى
لفت انتباه من حوله، ويرغب في أن يكون مركز ومحور تفكيرهم. فإذا لم يتم هذا له
بالجيد من الأفعال فسيقوم بعمل السيئ منها للاستحواذ على هذا الانتباه. وطالما
الأفعال السيئة هي التي تجعل المحيطين به ينتبهون إليه وإلى وجوده ويتواصلون معه
فهذا وحده مشجعًا له لكي يكرر هذه الأفعال السيئة.
فالأفضل للأباء وللأمهات
وللمربين أن ينتبهوا للطفل عند قيامه بعمل أو سلوك جيد. والتغاضي، كما ذكرنا، عن
أي سلوك سيئ. حتى يكرر الجيد ويصبح من عاداته وينسى السيئ من السلوكيات ولا يفكر
في القيام به طالما أنه لا يلفت الانتباه إليه ويتم تجاهله.
تدريب الطفل على بعض التمرينات للحد من عصبيته
وأشهر هذه التمرينات هو
“تمرين التنفس”. حيث يطلب المربي أو أحد الأبوين من الطفل أن يأخذ نفسًا/ شهيقًا
عميقًا وحبسه لمدة لا تزيد عن 5 ثوان أو للعد حتى رقم 5. ثم يُخرج الطفل هذا النفس
في زفير متقطع على ثلاث دُفعات وهكذا.
فهذا يجعل الطفل يأخذ بعض
الوقت ليفكر بشكل جيد، ويساعد المخ في أن يعود لكامل نشاطه. كما أن الطفل وقتها مع
الوقت سوف يعتاد على تهدئة نفسه واتخاذ قرارات هادئة لا يندم عليها فيما بعد.
الأسرة وشعور الطفل بدفئها واحتضانها له
فالبيت المليئ بالمشكلات
وعدم الاستقرار يؤثر بشكل سلبي على مشاعر الأطفال ويملؤهم بالخوف والقلق الذي يجعل
منهم شخصيات عصبية وانفعالية. أما البيت المستقر الهادئ الذي تدار فيه المشكلات
بحكمة بعيدًا عن الصخب والإيذاء والعنف ففيه الأطفال يتعلمون تنظيم المشاعر
وتنميتها بشكل أفضل.
فالدف الأسري، والاستقرار
يجعلان الطفل قادرًا على أن يتعامل مع المواقف السلبية والمشكلات بشكل جيد. ويكون
قادرًا على أن يدير مشاعره ويفهم نفسه ويحافظ على هدوئه.
ولذلك يوصى بأن يكون
الاحتضان، ومعانقة الطفل، جزء من النشاط اليومي في المراحل الأولى من عمر الطفل.
التحفيز الدائم والمكافآت
كما ذكرنا من قبل، فمنح
المكافأة أبقى أثرًا وأكثر فعالية من العقاب. لذلك على الأبوين والمربين عمل نظام
للمكافآت أكثر من وضع نظام للعقاب. وذلك لكي يعتاد الطفل على السلوك الإيجابي
المرغوب فيه وينسى أو ينمحي من داخله السلوك السيئ غير المرغوب.
أيضًا من القواعد التي
ينبغي اتباعها عند من أي مكافأة هي عدم التأجيل. فتأجيل المكافأة بعد السلوك والفعل
الجيد يجعل منها غير فعالة في تثبيت الفعل أو السلوك المرغوب. كما أنه يجعل الطفل
يشعر بالملل.
كما أنه ينبغي ألا تكون
المكافآت في شكل مادي أو في صورة نقود. فهي تعتبر بمثابة الرشوة أكثر منها مكافأة.
لذا يمكن أن تكون المكافأة منح وقت إضافي في اللعب، في استخدام الكمبيوتر، في
المشاركة في أنشطة محببة ومرغوبة من الطفل… إلخ.
المدح والتشجيع بشكل دائم ومستمر
فالطفل كلما مدحناه
وأشعرناه بالحب وبالتقدير تجاه السلوكيات والأفعال الجيدة التي يقوم بها مع توضيح
سبب هذا المديح والتشجيع. كلما كرر هذه الأفعال وتمسك بها وأصبحت جزء لا يتجزأ من
شخصيته.
فعندما نقول لطفل على
سلوك ما “هكذا يفعل الشخص الجيد”، أو “هكذا يكون البطل”، أو “هذا ما يقوم به
الأذكيا”. فإننا نشجعه ونحفزه ونمدحه على سلوكه وفعله ولا نربي فيه الغرور بمدح
شخصه. وهذا هو الفرق بين مدح السلوك ومدح الشخص.
ختامًا
ينبغي العلم أن العمل على
الحد من ومساعدة الطفل في التخلص من عصبيته يحتاج إلى نظام متكامل وصبر ووقت مع
التكرار والدأب والإصرار. كما أنه يحتاج للتعديل من سلوكياتنا نحن كآباء وأمهات
ومربين في المقام الأول قبل أن نعمل على تعديل سلوكيات الأطفال. لأن الطفل لا
يكتسب السلوك بالكلام أو بالأوامر والتعليمات بقدر ما يكتسبه بالتقليد والمحاكاة.
اقرأ أيضًا
تأثير الكلام السلبي على المراهقين
#الطفل_العصبي
#كيف_تتعامل_مع_الطفل_العصبي
#أسباب_العصبية_لدى_الأطفال
#مظاهر_العصبية_عند_الأطفال
#العصبية_عند_الأطفال
#بذور
تعليقات
إرسال تعليق