سلامتها أم حسن... وقرار 1325

دعوة لمناصرة المرأة والرجل في عالم يعيش الحرب في قلب أوقات السلام

في غرفة الاجتماعات بمقر عملي، دار النقاش حول اختيار عنوان لإطلاق حملة مناصرة تدعو إلى الحفاظ على أمن وسلام المرأة ليس فقط في أوقات الحروب ولكن في أوقات السلم أيضًا لكي يتماشى ذلك مع ما يطلق عليه قرار أو أجندة المرأة والسلام والأمن المعروف بقرار مجلس الأمن رقم ١٣٢٥...

سلامتها أم حسن

بعد صمت للتفكير من المشاركين، بدأ سيل من الأفكار والمسميات والعناوين  يتدفق. لكن ذهني ووجداني في تلك اللحظة وأثناء التفكير في عنوان الحملة الذي يجب أن يحمل دعوة لأمن وسلامة المرأة في الأوقات والأماكن التي لا تعاني من الحروب التقليدية والنزاعات المسلحة التي أصبحت معتادة في عالمنا اليوم، تملكته نغمة لأغنية شعبية قديمة لم نكن نرددها إلا ومعها ضحكات أدركنا حين كبرنا أنها قد تكون نوعا من التنمر الموجه ضد بطلة القصة التي تقدمها كلمات الأغنية... وهي السيدة المصونة الفاضلة،،، "أم حسن".

بعد مرور بعض الوقت، ومع التوجس خيفة من أن يتحول التنمر من "أم حسن" إلى شخصي هذه المرة إذا ما تحدثت عن الفكرة التي انتابتني وشغلتني ثم تملكتني. قررت البوح بما يعتمل بداخلي ولكن في شكل فكاهي كوسيلة لجس النبض.. فأطلقتها بشكل عابر وأنا أضحك 

ايه رأيكم نجعل عنوان الحملة المرة دي "سلامتها أم حسن

وكأن على الرؤوس الطير ازداد الصمت عُمقًا، ثم وإذ فجأةً أفلتت الضحكات وانطلقت مجلجلةً كما توقعت وانتظرت من جراء النكتة التي ألقيتها كالقنبلة ففجرت الرؤوس في وقت كنا فيه ننشد بحث سلام المرأة والآن صرت أبحث عن سلامي... شاركت في الضحك، وفي التسفيه من السؤال الذي ألقيته وأنا لا أزال أعتقد بداخلي بأنه سؤال وجيه يمكن أن تكون الإجابة عليه بسؤال آخر هو... ولمَ لا؟!!

قرار 1325، المرأة والسلام والأمن

قد يتساءل القارئ حول ماهية هذا القرار الذي تم ذكره والمسمى بقرار مجلس الأمن رقم 1325، أو عن تلك الأجندة الخاصة بـ "المرأة والسلام والأمن". الأمر بكل بساطة يخص قرارًا أصدره مجلس الأمن التابع لمنظمة الأمم المتحدة حول ضرورة وإلزامية احترام حقوق المرأة أثناء فترات النزاع المسلحة من قبل الدول الأعضاء. ليس هذا فحسب، ولكن أيضًا عزز القرار ودعم وأبرز اهمية مشاركة المرأة في مفاوضات السلام، وكذلك في مراحل إعادة الإعمار والبناء التي تكون بعد انتهاء فترات النزاع.

وقد صدر هذا القرار من مجلس الأمن في 31 اكتوبر من عام 2000، ويعتبر قرارًا هامًا يعمل على حفظ حقوق فئة من الفئات الأكثر تضررًا من الحروب والنزاعات والأكثر تأثرًا بها وهن النساء في كل مكان في العالم. وقد تلته قرارات أخرى مكملة تؤكد على ما جاء فيه من محاور وتوصيات...

ركائز قرار 1325، أجندة المرأة والسلام  والأمن

يتبنى قرار مجلس الأمن رقم 1325 عدد 4 محاور أو ركائز من أجل دعم وتعزيز حقوق المرأة سواء قبل، أو أثناء، أو بعد انتهاء فترات النزاع المسلحة. وهذه الركائز التي يتبناها هي:

  1. الحماية                           Protection
  2. الوقاية/ المنع                  Prevention
  3. المشاركة                    Participation
  4. الإغاثة والتعافي   Relief & Recovery

للمزيد عن القرار يمكنك مشاهدة الفيديو التالي الذي يقدم ملخصًا عنه وعن محاوره الأربعة

 


سلامتها أم حسن، وقرار 1325

جاءت كلمات الأغنية الشعبية الشهيرة "سلامتها أم حسن" من رحم قاطني المناطق الشعبية ومعبرة عنهم. فقد غناها المطرب الشعبي الشهير "عدوية" وكتب كلماتها "حسن أبو عتمان" وهو حلاق الشعر الخاص بعدوية... 

سلامتها أم حسن


وكما يقال، فقد انتشرت الأغنية التي صدرت عام 1973 كانتشار النار في الهشيم، حيث بيع منها حسب ما ذُكر في ويكيبيديا أكثر من مليون نسخة من شرائط الكاسيت في بداية صدورها... وهو رقم كبير وعظيم جدًا في حينه مع تعداد مصر في ذلك الوقت الذي كأن أقل من 25% من العدد في زمننا الحالي.

فما الذي جعل ذهني يربط بين الأغنية وقرار أو أجندة "المرأة والسلام والأمن"؟

  •     عارف يا أستاذ وحيد؟

التفت زميلي الطيب ذو الوجه البشوش دائمًا والذي يعمل في مجال "النوع الاجتماعي" منذ سنوات طويلة ويعتبر من الخبراء في "قضايا المرأة"، وقد أطلت من عينيه علامات الاستفهام في انتظار إجابتي على السؤال الذي افتتحت أنا به الحديث...

  •   من أيام واحنا بنفكر لاسم للحملة اقترحت عليهم نسميها حملة "سلامتها أم حسن"... (ضاحكًا) إيه رأيك مش اسم يِسَمَّع؟

أطلت الضحكة من عينيه وتزينت شفاهه بالابتسامة قبل أن يجاريني في الكلام ويقول:

  • طبعًا ... مش بتقول سلامتها أم حسن؟ ... يعني بتدعي لها بالسلامة واحنا بنتكلم عن سلام وسلامة المرأة... 
ثم ألحق بكلماته ضحكته غير عالية الصوت والقصيرة الطيبة... فأكملت أنا من بعده الكلام وقلت:
  • لأ وكمان الأغنية بتكمل وتقول، "وسلامتك يا حسن"... يعني من بدايتها بتراعي النوع الاجتماعي ومش بس بتتمنى السلامة والسلام للمرأة متمثلة في أم حسن، ولكن كمان بتتمناه للرجل متمثلاً في حسن نفسه!
  • تصدق؟!
ثم أنهينا الحديث ضاحكين وعدنا لما انشغلنا به وأنا في ذهني لا زالت تلح كلمات الأغنية التي قد أقول -مازحًا بكل تأكيد- أنها سبقت القرار 1325 (أجندة المرأة والسلام والأمن) في الدعوة لسلام وأمن المرأة... فكيف يكون ذلك؟

تبدأ الأغنية بالكوبليه التالي:

سلامتها أم حسن... من العين ومن الحسد
وسلامتك يا حسن... من الرمش اللي حسد
 فهنا المؤلف ومعه المغني يتمنيان السلامة للمرأة وللرجل من أقل أقل الضرر وهو، "العين والحسد".. وهي أمور تأتي أولوية في فترات السلم والتي يحدث فيها أنواع من النزاعات غير المسلحة مثل الحسد، والإساءات اللفظية، ومشاعر الحقد والتمييز وأفعاله كالاستبعاد من أعمال بسبب كون الإنسان امرأة أو كونه رجل (تمييز على أساس النوع الاجتماعي)... إلخ.

فهناك أفعال كثيرة حسية وجسدية تصنف عنف يتم توجيهه طبقًا للنوع الاجتماعي وخاصةً ضد المرأة في الفترات الزمنية والأماكن التي لا تعاني من الحروب وجب حماية المرأة منها وتجريم القائمين عليها حتى يكون المجتمع قد اكتسب سلوكيات احترام وتقدير النوع الاجتماعي وقت السلم فيحترمه ويقدره إذا ما واجه أوقات فيها حروب ونزاعات مسلحة...
 

وقد استمر كاتب الكلمات والمغني في الحديث عن تأثر "أم حسن" من فعل العنف (الحسد) حتى حدث وأن:

جالها الدور اللى ماشى والدور ما ينمهشى
والعين ماسيبهاش محسوده أم حسن
ملبوخه ليه ملبوخه من الفكر جالها دوخه
حرقت شابه وفاسوخه ما رقتش أم حسن

الأمر الذي جعل أم حسن مهمومة بالفكر غير واعية لحياتها من كثرة الضغط حيث أنها "ملبوخة"، ومن التفكير أصابها الدوار (دوخه)... كذلك في هذا الأمر هناك عنف مخفي مصابة به أم حسن من المجتمع والقائمين عليه... فأم حسن المصابة بالدوخه لم تفعل شيئًا سوى أنها "حرقت شابه وفاسوخه" لأجل الحماية من العين والحسد ولم تلجأ للطبيب. وكانت النتيجة أنها لم تُشفى من مرضها كما قالت الأغنية (مارقتش أم حسن)...

وإن كان هذا الكلام ينم عن شيئ، فهو يؤكد أن "أم حسن" قد عانت مثلما تعاني ملايين الفتيات في مجتمعاتنا المحلية من عدم توفر الفرصة للتعليم أو تسربهن منه فلم تعرف علاجًا لنفسها سوى "الفاسوخة" ولم تعرف سبب لمرضها ومرض إبنها سوى "الحسد" وبالتالي فإن الأم التي هي "مدرسة" كما قال عنها أمير الشعراء قد صارت مصدرًا لتأكيد الجهل الذي وضعها فيه المجتمع والذي حرمها من فرص التعليم وزيادة الوعي..

يُكمل كاتب الكلمات أغنيته بأن قال

عملولها الزار لطشها وكأنه عيار دوشها
ياريت كان حد حاشها معذورة أم حسن

لكي يعبر عن استمرار أم حسن في أفعال الجهل الذي أصيبت به بفعل المجتمع، وهو أنها عندما وجدت "الفاسوخة" غير مُجدية فقد شاركت في "الزار" الذي جعل المرض يُمعن في جسدها ولم تجد الشفاء لا لروحها الممزقة بالجهل وعدم المعرفة ولا لجسدها المنهك بالمرض... فأي عنف قد أصابها أكبر وأعظم من هذا؟؟

ثم يتحسر كاتب الأغنية على المجتمع ودوره السلبي في نشر الوعي وحماية "أم حسن" ممثلة عن المرأة المصرية ويتمنى بالقول، "يا ريت كان حد حاشها"... وهو دليل أن أم حسن (المرأة) لم تجد من المجتمع لا فعل الوقاية بتعليمها ولا فعل الحماية بتوعيتها بأن مثل هذه الأفعال غير مجدية ولا طائل منها ولا تعالج أي مرض في الفكر، ولا النفس، ولا الجسد... وذلك لكي يصيح بالقول، "معذورة أم حسن" والذي فيه يلتمس لها العُذر ويلقي التهمة ضمنيًا على المجتمع الذي تعيش فيه هذه المرأة متمثلة في بطلة الأغنية "أم حسن"...

الدعوة لأم حسن والتوعية

بعد أن أقر الكاتب بظلم المجتمع للمرأة (أم حسن) الذي جعلها جاهلة وغير واعية ومريضة، فإنه يتوجه لأم حسن نفسها لكي لا تبقى سلبية ويدعوها لكي تتحرك بأن اختتم أغنيته بالقول:

جرى إيه يا أم حسن؟ لميها واخجلى
لا بخور ولا زار بينفع ما تفوقى وتعقلى

 فهو يسأل أم حسن عن حالها ماذا جرى له، ويدعوها بأن تخجل مما تفعل من أعمال تنم عن الجهل وعدم الوعي... ثم يقرر لها الحقيقة ويقوم بتوعيتها وزيادة معارفها بأن لا البخور، ولا الزار لهما أنفع... ثم يؤكد دعوته بالقول "ما تفوقي وتعقلي"... أي أن تترك الغيبوبة التي تعيش فيها وتتمسك بالعقل الذي دعتنا كل الأديان أن نتمسك به في أوقات الظلام والجهل كي ينير لنا الطريق... 

وأخيرًا يكرر القول في النهاية بالدعاء والتمني

سلامتها أم حسن

لكي يختم بما نفهم منه أن سلامة المرأة في أوقات السلم التي لا فيها نزاعات ولا حروب مسلحة تكون في تعليمها وزيادة وعيها وتمكينها من إعمال العقل واستخدامه لكي تفيق من الغيبوبة التي تعيش فيها فيفيق المجتمع معها ويكون في ذلك سلامه وليس فقط "سلامتها ام حسن"


الكاتب

أسامة الأديب

استشاري تعليم وتنمية


للاستماع للأغنية



اقرأ أيضًا

الاحتفال باليوم العالمي للفتاة

أنا المصري... (بقلم أسامة الأديب)

مسلسل "سره الباتع" وفواكه "الموز، والرمان، ويوسف أفندي" 




تعليقات