بين العدالة والخوف... معاناة الأطفال الضحايا والشهود في الجرائم

 

حماية الأطفال الضحايا والشهود... مسؤولية قانونية ومجتمعية

لم يعد مشهد الطفل الذي يشهد جريمة أو يقع ضحية لها أمراً نادراً، بل أصبح واقعاً مؤلماً يتكرر خلف أبواب المنازل والشوارع وحتى المدارس. هؤلاء الأطفال لا يواجهون فقط صدمة الجريمة ذاتها، بل يواجهون أيضاً تحديات قاسية في طريقهم نحو العدالة؛ من الخوف من الانتقام والوصم المجتمعي، إلى فقدان الثقة في المؤسسات المعنية بحمايتهم. في هذا السياق، يبرز سؤال جوهري: هل تكفي التشريعات لحماية هؤلاء الأطفال، أم أن الواقع يحتاج إلى ما هو أبعد من النصوص القانونية؟

بين العدالة والخوف... معاناة الأطفال الضحايا والشهود في الجرائم


المقال بقلم أ. إلهام محمود

المحامية واستشاري حقوق الطفل 



المبادئ التوجيهية للأمم المتحدة

الأمم المتحدة كانت قد تبنّت عام 2005 المبادئ التوجيهية بشأن العدالة في الأمور المتعلقة بالأطفال ضحايا الجرائم والشهود، حيث اقرت على الحقوق الأساسية للأطفال الضحايا والشهود:

  1. الحق في الكرامة:  معاملة الطفل باحترام لكرامته الإنسانية وقيمه، مع مراعاة عمره وجنسه وخلفيته الثقافية والعرقية.
  2. الحق في الحماية:  وقاية الطفل من الترهيب أو الانتقام أو إعادة الإيذاء الجسدي أو النفسي.
  3. الحق في عدم التمييز:  ضمان المساواة في المعاملة دون تفرقة بسبب الجنس أو الأصل أو الدين أو الوضع الاجتماعي.
  4. الحق في المشاركة:  تمكين الطفل من التعبير عن آرائه واحتياجاته وأخذها بجدية.
  5. الحق في المعلومات:  تزويد الطفل بمعلومات مناسبة لسنّه عن حقوقه والإجراءات القضائية ودوره فيها.
  6. الحق في المساعدة:  حصول الطفل على الدعم النفسي والاجتماعي والطبي والقانوني خلال جميع مراحل الإجراءات.
  7. الحق في الخصوصية:  حماية هوية الطفل وسرية ملفه وعدم نشر أي تفاصيل تكشف هويته.
  8. الحق في الإجراءات الملائمة:  تيسير الإجراءات لتناسب عمر الطفل، مثل جلسات صديقة للطفل واستخدام لغة بسيطة.
  9. الحق في إعادة التأهيل:  توفير خدمات التعافي الجسدي والنفسي والاجتماعي بعد التجربة المؤلمة.
  10. الحق في التعويض:  تمكين الطفل من الحصول على تعويض عادل عن الأضرار أو الخسائر الناتجة عن الجريمة

التشريعات المصرية

القوانين المصرية أولت أهمية خاصة لحماية الأطفال في مسار العدالة:

1.      وضع الدستور المصري لعام 2014 في مادته (80) التزاماً واضحاً على الدولة بحماية الطفل من جميع أشكال العنف والإساءة وسوء المعاملة والاستغلال الجنسي والتجاري، وبإنشاء نظام قضائي خاص بالأطفال المجني عليهم والشهود، مع ضمان تحقيق المصلحة الفضلى للطفل في جميع الإجراءات المتخذة حياله.

2.      كما أكد قانون الطفل رقم 12 لسنة 1996 والمعدل بالقانون 126 لسنة 2008 على التزامات الدولة في حماية الأطفال:

  • نصّت الفقرة الثانية من المادة (1) على أن الدولة تكفل، كحد أدنى، حقوق الطفل الواردة باتفاقية حقوق الطفل والمواثيق الدولية ذات الصلة النافذة في مصر.
  • كما نصّت المادة (96) على آلية محددة تستهدف الأطفال المجني عليهم باعتبارهم "معرضين للخطر".
  • وأكدت المادة (116 مكرر د) على أن يكون للأطفال المجني عليهم والأطفال الشهود، في جميع مراحل الضبط والتحقيق والمحاكمة والتنفيذ، الحق في الاستماع إليهم ومعاملتهم بكرامة وإشفاق، مع الاحترام الكامل لسلامتهم البدنية والنفسية والأخلاقية، والحق في الحماية والمساعدة الصحية والاجتماعية والقانونية وإعادة التأهيل والدمج في المجتمع، وذلك في ضوء المبادئ التوجيهية للأمم المتحدة بشأن توفير العدالة للأطفال ضحايا الجريمة والشهود عليها.

3.       قانون الإجراءات الجنائية: أتاح إمكانية عقد الجلسات بشكل سري حمايةً لخصوصية الطفل.

4.        قوانين خاصة: مثل قانون مكافحة الاتجار بالبشر (64/2010) وقانون مكافحة الهجرة غير الشرعية (82/2016) والقوانين المتعلقة بجرائم العنف الجنسي ضد الأطفال.

صدمات طويلة الأمد

الأطفال الذين يتعرضون للجرائم، سواء كضحايا أو كشهود، غالباً ما يتركون نهباً لآثار نفسية وجسدية عميقة تمتد لسنوات طويلة، فتنعكس سلباً على علاقاتهم الأسرية والاجتماعية، وتضعف قدرتهم على التعلم والنمو والاندماج في المجتمع. ورغم أن ملاحقة الجناة قضائياً تمثل خطوة أساسية في مسار تعافي الطفل واستعادة شعوره بالأمان، إلا أن الطريق إلى العدالة يظل محفوفاً بالعقبات. فقد يتعرض الأطفال لضغوط من بالغين تحول دون الإبلاغ، أو يعانون من فقدان الثقة في الجهات المعنية، سواء خشية سوء الفهم، أو اعتقاداً بعدم جدية الاستجابة لبلاغاتهم، أو خوفاً من أعمال انتقامية قد تترتب على الشهادة أو الإبلاغ. ومن هنا تبرز ضرورة أن تتسم العدالة بالفعالية وأن تراعي المراحل العمرية ومستويات النضج واحتياجات هذه الفئة من الأطفال، بما يضمن تجنيبهم التعرض لمزيد من المشقات والصدمات النفسية الناتجة عن الانخراط في إجراءات العدالة الجنائية.

التحديات على الأرض

رغم هذا الإطار الدستوري والتشريعي، ما زالت هناك عقبات عملية، أبرزها:

  • قصور في تطبيق النصوص القانونية على أرض الواقع.
  • محدودية الكوادر المدربة للتعامل مع الأطفال في ظروف حساسة.
  • ضعف خدمات الدعم النفسي والاجتماعي، خاصة في المناطق الريفية والنائية.
  • استمرار الوصم المجتمعي الذي يعمق من معاناة الأطفال الضحايا.

توصيات

أمام هذه التحديات الكبيرة التي تعترض طريق حماية الأطفال الضحايا والشهود في مصر، لا تكفي النصوص القانونية وحدها، بل تبرز الحاجة إلى إجراءات عملية عاجلة يمكن أن تترجم على أرض الواقع. وفي هذا الإطار، نقدم عدداً من التوصيات التي تمثل خارطة طريق نحو تعزيز حماية هؤلاء الأطفال وضمان حقوقهم، واتمني ان تصل الي المسئولين وأصحاب القرار.

1.      تعزيز آليات حماية الأطفال داخل النيابات والمحاكم.

  1. توسيع نطاق خدمات الدعم النفسي والاجتماعي وضمان إتاحتها مجاناً.
  2. تدريب متخصص للعاملين في منظومة العدالة.
  3. تفعيل دور لجان حماية الطفل علي مستوى الجمهورية.
  4. تعميم الغرف المؤمنة على كل المحاكم في الجمهورية لتوفير بيئة امنة للضحية للإدلاء بشهادتها.
  5. إطلاق حملات توعية مجتمعية لتقليل الوصم وتشجيع الإبلاغ.

اقرأ أيضًا







تعليقات