"مستقبل الثقافة في مصر": قراءة في فكر طه حسين بين الحداثة والتجديد
طه حسين: الكاتب والمفكر والرمز
يُعد الدكتور طه حسين (1889–1973) من أعلام الفكر والأدب العربي في العصر الحديث، ولقّب بـ"عميد الأدب العربي". وُلد في محافظة المنيا، وأصيب بالعمى في طفولته، لكنه لم يدع إعاقته تقف أمام طموحه؛ فقد التحق بجامعة الأزهر، ثم الجامعة المصرية، ثم أكمل دراساته في فرنسا حيث حصل على الدكتوراه من جامعة السوربون. كان من أبرز دعاة التنوير والعقلانية، وشغل منصب وزير المعارف في مصر. (وزير التربية والتعليم)
عن الكتاب: النشر والسياق التاريخي
نُشر كتاب "مستقبل الثقافة في مصر" لأول مرة عام 1938، بعد توقيع معاهدة 1936 التي قلصت الوجود البريطاني في مصر، وفتحت الباب أمام حلم الاستقلال الفعلي. في هذا السياق كتب طه حسين رؤيته لمستقبل الثقافة والتعليم في مصر، واضعًا إطارًا فكريًا شاملاً لنهضة ثقافية وتعليمية ترتبط بالهوية من جهة، وبالتقدم الأوروبي من جهة أخرى.
ملخص الكتاب
الكتاب يتكون من مجموعة من الفصول الفكرية والسياسية، ويناقش فيه طه حسين قضايا عدة، منها:
-
موقع مصر من العالم العربي والإسلامي، وأيضًا من البحر المتوسط.
-
العلاقة بين الثقافة والتعليم، ودورهما في تكوين المواطن المصري.
-
التأكيد على ضرورة اتباع النموذج الأوروبي في التعليم والثقافة.
-
دعوة إلى مجانية التعليم وإتاحته للجميع.
-
نقد للبنية التقليدية للثقافة والتعليم في مصر، والدعوة إلى التجديد.
طه حسين يرى أن مصر تنتمي إلى الحضارة الغربية بقدر انتمائها إلى الحضارة الشرقية، ويدعو إلى استلهام النموذج الأوروبي في تنظيم التعليم والثقافة كوسيلة لبناء مجتمع حديث ومتطور.
أهم ما دعا إليه طه حسين في الكتاب
-
مجانية التعليم: طالب بجعل التعليم حقًا لكل مواطن، وأن تتحمل الدولة مسؤولية تقديمه مجانًا في كل مراحله.
-
تحديث مناهج التعليم: بما يتماشى مع العصر، ويُركز على التفكير النقدي لا الحفظ والتلقين.
-
الارتباط بالثقافة الغربية: ورأى أن مصر يجب أن تتبنى القيم الغربية الحديثة دون أن تتنكر لجذورها الشرقية.
-
فصل التعليم عن الدين: لتحقيق حياد الدولة وتطوير العقل العلمي.
-
حرية الفكر والتعبير: باعتبارها شرطًا أساسيًا لأي نهضة ثقافية حقيقية.
الانتقادات التي وُجهت للكتاب
رغم ما حظي به الكتاب من إشادة من المفكرين التقدميين، إلا أنه لم يسلم من الانتقاد:
-
الانبهار المفرط بالغرب: رأى بعض النقاد أن طه حسين يُهمل الهوية الثقافية العربية الإسلامية لصالح النموذج الغربي.
-
فكرة القطيعة مع الماضي: اتُهم بأنه يدعو إلى تجاهل التراث العربي بدلاً من تطويره.
-
فصل الدين عن التعليم: أثار هذا الطرح غضب العديد من التيارات الدينية المحافظة، التي رأت فيه تهديدًا لهوية المجتمع.
-
نخبوية الطرح: رأى البعض أن خطابه لم يكن موجهًا للطبقات الشعبية وإنما للنخبة المثقفة.
الاستفادة من الكتاب في العصر الحالي
بعد أكثر من ثمانين عامًا على صدور الكتاب، لا تزال رؤى طه حسين ملهمة وضرورية:
-
دعوة للتجديد التعليمي: ما زال التعليم في مصر بحاجة إلى إصلاح جذري في المناهج وطرق التدريس، وهو ما دعا إليه الكتاب.
-
الحفاظ على الهوية والانفتاح على العالم: يقدم نموذجًا متوازنًا يمكن البناء عليه في زمن العولمة.
-
نقد التقليد والانغلاق: طرحه لتحدي الأفكار الجامدة يعيد فتح النقاش حول حرية الفكر والتنوير.
-
عدالة التعليم: دعوته لمجانية التعليم لا تزال صالحة في ظل تزايد التفاوت الطبقي وتأثيره على فرص التعلم.
ختامًا
"مستقبل الثقافة في مصر" ليس مجرد كتاب، بل مانيفستو فكري يعكس تطلعات جيل كامل نحو الحداثة والنهضة. وبينما تتغير الأزمان وتتشعب القضايا، تبقى أسئلة طه حسين حول التعليم، والهوية، والثقافة ذات صدى في كل عصر، بل تزداد أهميتها اليوم أكثر من أي وقت مضى.
تعليقات
إرسال تعليق