كل ما تريد أن تعرفه عن "المرونة والمتانة" في التنمية

 المرونة والمتانة في التنمية: الطريق إلى مجتمعات قادرة على الصمود والتجدد

في عالم يتسم بعدم اليقين، وتزايد الأزمات البيئية والاقتصادية والاجتماعية، أصبح الحديث عن المرونة والمتانة في التنمية أكثر إلحاحًا من أي وقت مضى. فالتنمية لم تعد مجرد تحقيق النمو الاقتصادي أو تحسين مؤشرات اجتماعية، بل غدت مرتبطة بقدرة المجتمعات والدول على الصمود أمام الصدمات، والتكيف مع المتغيرات، والاستمرار في التقدم رغم التحديات.

كل ما تريد أن تعرفه عن "المرونة والمتانة" في التنمية

إعداد: د. أسامة رمزي

ماجستير تحليل السياسات العامة وتقييم المشروعات التنموية
استشاري تعليم وتنمية

يُعتبر مفهوما المرونة والمتانة من الركائز الفكرية والاستراتيجية التي تساعد على بناء أنظمة تنموية مستدامة، قادرة على مقاومة الاضطرابات مثل الكوارث الطبيعية، الأزمات الصحية (مثل جائحة كورونا)، النزاعات المسلحة، أو التغيرات المناخية. هذا المقال يقدم تحليلًا معمقًا لهذين المفهومين، ويستعرض كيفية دمجهما في السياسات العامة والممارسات التنموية لتحقيق مستقبل أكثر استدامة.

ما هي المرونة في التنمية؟

1-      تعريف المرونة

المرونة (Resilience) في السياق التنموي تعني قدرة الأفراد والمجتمعات والأنظمة الاقتصادية والاجتماعية على:

  • امتصاص الصدمات (مثل الكوارث أو الأزمات الاقتصادية).
  • التكيف مع الظروف الجديدة دون انهيار النظام.
  • التعافي السريع واستعادة وظائفه الأساسية بعد الأزمات.

بمعنى آخر، المرونة هي القابلية للتغيير مع البقاء على قيد الحياة.

2-     مستويات المرونة

  • على مستوى الأفراد:  المرونة النفسية والاجتماعية التي تمكن الأشخاص من مواجهة الضغوط.
  • على مستوى المجتمعات:  شبكات الدعم الاجتماعي، القدرة على التعاون، التضامن المجتمعي.
  • على مستوى الاقتصاد:  تنويع مصادر الدخل، وجود سياسات حماية اجتماعية، القدرة على الابتكار.
  • على مستوى البيئة:  حماية النظم البيئية والقدرة على التعافي من التدهور أو الكوارث الطبيعية.

3-      أهمية المرونة

  • تساعد المجتمعات على مواجهة التغيرات المناخية والكوارث الطبيعية.
  • تقلل من الخسائر البشرية والاقتصادية أثناء الأزمات.
  • تعزز الثقة بين المواطنين والحكومات.
  • تتيح استمرارية الخدمات الأساسية مثل الصحة والتعليم.

ما هي المتانة في التنمية؟

1-      تعريف المتانة

المتانة (Robustness) تعني قدرة النظام التنموي على تحمل الضغوط والاضطرابات دون أن يفقد وظائفه الأساسية أو ينهار. وهي تختلف عن المرونة في أنها تركز على الصلابة والاستقرار بدلاً من التكيف.

2-      خصائص المتانة

  • الثبات والاستقرار: الحفاظ على الأداء حتى في الظروف الصعبة.
  • القدرة على المقاومة: تحمل الأزمات دون تضرر كبير.
  • الاعتماد على أنظمة قوية: وجود مؤسسات متينة، وبنية تحتية قوية، واقتصاد متماسك.

3-      أمثلة على المتانة

  • أنظمة الرعاية الصحية القوية التي تستطيع استيعاب أعداد ضخمة من المرضى وقت الأزمات.
  • شبكات الكهرباء والمياه التي تواصل العمل رغم الكوارث.
  • مؤسسات ديمقراطية قادرة على الاستمرار في الحكم حتى في ظل الاضطرابات.

الفرق بين المرونة والمتانة

على الرغم من التشابه بين المفهومين، إلا أن هناك فروقًا جوهرية:

البند

المرونة  (Resilience)

المتانة  (Robustness)

التركيز

التكيف مع التغيير

المقاومة ضد التغيير

الهدف

التعافي والاستمرار

الصمود والحفاظ على الاستقرار

الزمن

قصير ومتوسط المدى (القدرة على النهوض)

طويل المدى (القدرة على البقاء ثابتًا)

الأداة

المرونة في السياسات والأنظمة

القوة في المؤسسات والبنية التحتية

العلاقة بين المرونة والمتانة

يمكن القول إن المتانة والمرونة مكملتان لبعضهما البعض.  فلا يكفي أن يكون المجتمع مرنًا إذا لم يكن متينًا بما يكفي، والعكس صحيح.

  • المرونة بدون متانة قد تؤدي إلى هشاشة، حيث يستطيع النظام التعافي لكنه ينهار بسهولة مع كل أزمة.
  • المتانة بدون مرونة قد تؤدي إلى الجمود، حيث يقاوم النظام التغيير لكنه يفتقر إلى القدرة على التكيف مع الظروف الجديدة.

المرونة والمتانة في السياسات التنموية

1-      في مواجهة التغير المناخي

  • المرونة:  تطوير تقنيات زراعية تتكيف مع التغيرات المناخية.
  • المتانة:  بناء سدود وأنظمة ري قوية لمواجهة الجفاف والفيضانات.

2-      في الأزمات الصحية

  • المرونة:  تدريب الكوادر الطبية على الاستجابة السريعة للأوبئة.
  • المتانة:  وجود نظام صحي متكامل قادر على الصمود أمام الضغوط.

3-      في الاقتصاد

  • المرونة:  دعم ريادة الأعمال والابتكار لخلق بدائل جديدة.
  • المتانة:  بناء اقتصاد متنوع ومؤسسات مالية قوية.

4-     في المجتمعات المحلية

  • المرونة:  تعزيز المشاركة المجتمعية والعمل التطوعي.
  • المتانة:  وجود قوانين ومؤسسات مجتمع مدني قوية تدعم الاستقرار.

دمج المرونة والمتانة في خطط التنمية المستدامة

لتحقيق تنمية شاملة ومستدامة، يجب أن تتبنى الدول والمنظمات نهجًا يجمع بين:

  1. التخطيط الاستباقي:  توقع الأزمات ووضع سيناريوهات بديلة.
  2. التنويع:  في الاقتصاد، مصادر الطاقة، والزراعة.
  3. التعليم والتدريب:  رفع وعي الأفراد والمجتمعات حول كيفية التكيف والصمود.
  4. البنية التحتية الذكية:  تصميم مدن وأنظمة نقل مقاومة للكوارث.
  5. الحوكمة الرشيدة:  مؤسسات شفافة ومرنة تستطيع اتخاذ قرارات سريعة.

دروس من جائحة كورونا

أظهرت جائحة كورونا كيف أن المرونة والمتانة عنصران أساسيان في نجاح أي دولة:

  • الدول التي كانت لديها أنظمة صحية متينة استطاعت استيعاب الصدمة بشكل أفضل.
  • المجتمعات ذات المرونة المجتمعية العالية، مثل التعاون والتضامن، تمكنت من التعافي بسرعة أكبر.
  • الاقتصاديات التي اعتمدت على الرقمنة والابتكار كانت أكثر قدرة على التكيف مع التغيرات.

أمثلة عملية من الواقع

  1. اليابان:  مثال على الجمع بين المرونة والمتانة، من خلال البنية التحتية المقاومة للزلازل والتكيف السريع مع الكوارث الطبيعية.
  2. دول الشمال الأوروبي:  أنظمة رعاية اجتماعية قوية (متانة) مع سياسات بيئية مرنة تدعم التحول الأخضر.
  3. بعض الدول النامية:  افتقارها للمتانة (مؤسسات ضعيفة) والمرونة (غياب السياسات البديلة) جعلها أكثر عرضة للانهيار أمام الأزمات.

التحديات أمام بناء المرونة والمتانة

  • ضعف الموارد المالية في الدول النامية.
  • البيروقراطية والفساد التي تعيق الحوكمة الرشيدة.
  • التغيرات المناخية المتسارعة التي تفوق قدرة المجتمعات على التكيف.
  • الاعتماد المفرط على الخارج في الغذاء أو الطاقة.

توصيات لتعزيز المرونة والمتانة في التنمية

  1. الاستثمار في التعليم والابتكار.
  2. بناء شراكات بين القطاعين العام والخاص.
  3. تعزيز اللامركزية ودور المجتمعات المحلية.
  4. تطوير خطط إدارة المخاطر والكوارث.
  5. الاهتمام بالبعد الاجتماعي والإنساني في السياسات التنموية.

ختامًا

إن المرونة والمتانة في التنمية ليسا مجرد مصطلحين نظريين، بل هما أساس لبقاء واستمرار المجتمعات في عالم مليء بالتقلبات. المرونة تمنح القدرة على التكيف والتجدد، بينما المتانة توفر الاستقرار والصمود. وعندما يجتمعان، يشكلان معًا معادلة النجاح للتنمية المستدامة، ويضمنان أن تبقى المجتمعات قادرة على مواجهة الأزمات وبناء مستقبل أفضل للأجيال القادمة.

اقرأ أيضًا








تعليقات