الذكاء العاطفي كما لم تقرأ عنه من قبل...

 

الذكاء العاطفي: كيف نفهم مشاعرنا ونستخدمها بذكاء في الأسرة، المدرسة، والجامعة والعمل

الذكاء العاطفي Emotional Intelligence  أو EI هو القدرة على إدراك المشاعر وفهمها وإدارتها — لدى نفسك ولدى الآخرين — بحيث تساعدك هذه القدرة على اتخاذ قرارات أفضل، وبناء علاقات أقوى، والتعامل مع الضغوط بطريقة أكثر صحة.


الذكاء العاطفي ليس موهبة فطرية فقط، بل مهارة يمكن تعلّمها وممارستها. في ما يلي شرح مبسّط لمكوناته، ثم تطبيقات عملية لكل سياق حياتي.

مكونات الذكاء العاطفي

1.      الوعي الذاتي  (Self-Awareness)

o        يعني أن تعرف مشاعرك: هل أنت غاضب؟ متوتر؟ سعيد؟ عارف لماذا تشعر بذلك؟

o        مثال عملي: قبل أن ترد على رسالة مزعجة، توقف دقيقة واسأل: ماذا أشعر الآن ولماذا؟

2.      إدارة الذات  (Self-Regulation)  

o        القدرة على التحكم بردود فعلك، وليس القمع. مثلاً تأخذ نفسًا عميقًا أو تترك المناقشة مؤقتًا بدلاً من الانفجار.

3.      التحفيز الذاتي  (Intrinsic Motivation)

o        أن تدفع نفسك للعمل لأنك ترى معنى أو هدفًا، لا فقط من أجل مديح أو مال.

4.      التعاطف  (Empathy)

o        القدرة على فهم مشاعر الآخرين وإظهار اهتمام حقيقي. تختلف عن العطف السطحي؛ التعاطف يعني محاولة وضع نفسك مكان الآخر.

5.      المهارات الاجتماعية  (Social Skills)

o        القدرة على التواصل بوضوح، حل النزاعات، العمل في فريق وبناء علاقات مستقرة.

 لماذا الذكاء العاطفي مهم؟

·         يقلّل من التوتر والصراعات.

·         يحسّن الأداء الدراسي والوظيفي.

·         يقوّي الروابط الأسرية ويجعل التربية أكثر فعالية.

·         يساعد القادة والمدرّسين على بناء بيئات آمنة ومحفّزة.

 كيف نطوّر الذكاء العاطفي؟ تمرينات بسيطة يومية

·         تدوين المشاعر: اكتب كل مساء 3 مشاعر شعرت بها ولماذا.

·         إيقاف التنبيه  (Time-out) :عند الشعور بالانفعال، عدّ إلى 5 أنفاس عميقة قبل الكلام.

·         التساؤل القاعدي: ما الذي يحتاجه هذا الشخص الآن؟ قبل أن ترد.

·         لعبة المرآة: أمام المرآة، عبّر عن شعور — لاحظ نبرة صوتك ولغة جسدك — ودرّب تعديلها.

 تطبيقات عملية حسب المجال

أ. في الأسرة (أبوين، أولاد، علاقة زوجية)

أمثلة وطرق بسيطة:

·         وقت الاستماع اليومي (10 دقائق): خصّص وقتًا لا تقاطع فيه طفلك/شريكك. اسأل: كيف كان يومك؟ واستمع دون حلّ فوري للمشكلة.

·         اسم المشاعر بصراحة: علّم الطفل أن يقول «أنا غاضب» بدلًا من الصراخ. التسمية نفسها تخفّف الشدة.

·         نموذج الابوين  (Modeling): الوالدان اللذان يعبّران عن مشاعرهما بهدوء يعلّمان الطفل ضبط العواطف بالقدوة.

·         قواعد زمن الغضب: عندما يرتفع صوت أحد، تستخدم العائلة «إشارة توقف» (مثلاً رفع اليد) وتقترح الانسحاب المؤقت للتهدئة.

·         مكافآت التعاطف: مدح الطفل عندما يُظهر رحمة أو مشاركة مع الآخرين.

  • نشاط عملي للأسرة: لعبة «صندوق الكلمات» — يكتب كل فرد كلمة تعبر عن شعور ثم يسحب واحداً ويشرح موقفًا شعر فيه بذلك الشعور.

ب. في المدرسة والجامعة (التدريس والتعليم)

للمدرّسين والمحاضرين:

·         بدء الحصة بجولة مشاعر (2–3 دقائق): يذكر الطلاب في سطرين كيف يشعرون اليوم. ذلك يساعد المدرّس على تعديل نبرة الدرس وتعاملاته.

·         تدريس الذكاء العاطفي كمهارة: إدخال أنشطة صغيرة (تمارين استماع، لعب أدوار، حل نزاعات) ضمن المنهج.

·         بناء قواعد صفية آمنة: اتفاقات على الاحترام والإنصات قبل أي نشاط.

·         تدريبات على التعاطف: مشاريع جماعية تُلزم الطلاب بالعمل مع زملاء من خلفيات مختلفة، مع جلسة تأمل في نهاية المشروع حول ما تعلّموه عن بعضهم.

  • نشاط تطبيقي (لمدرسة): تمرين «المشهد والرد» — يعطى الطلاب سيناريو صراع (مثلاً خلاف على لعبة أو مشاركة مشروع) ويتمرّنوا عمليًا على خمس ردود متعاطفة وغير عدوانية.

ج. في العمل والمؤسسات (فرق، إدارات، قادة)

للقيادة والمديرين:

·         اجتماعات "التحقق من المزاج" في بداية الاجتماعات الطويلة («كيف حال الفريق؟») لتعديل خطة اليوم إذا لزم.

·         تدريب القادة على الاستماع الفعّال: تدريبهم على إعادة صياغة ما قاله الموظف قبل الرد. هذا يعزّز الثقة.

·         سياسة "بوابة المفتاح" عند النزاع:  توجيه الموظفين لوسيط داخلي أو خطوة تبريد (cool-off) قبل تصعيد النزاعات.

·         تقييم الأداء العاطفي: إضافة معايير مثل التعاون وحل النزاعات في تقييم الأداء السنوي.

·         ورش عمل منتظمة: حول إدارة الضغوط والمرونة العاطفية (resilience).

  • نشاط عملي للمكان العمل: جلسة "تقدير زميل" أسبوعية حيث يذكر كل موظف شيئًا إيجابيًا عن زميله (يقوى الروابط ويعزّز التقدير).

 أمثلة قصيرة — جمل مفيدة للتطبيق

·         للأسرة (عند توتر الطفل): "أرى أنك منزعج — هل تريد أن نتكلم أم تحتاج وقت هدوء؟"

·         للمدرّس: "أسمع أن النقاش أزعجك — هل يمكنك أن تشرح لي ماذا شعرت؟"

·         للمدير: "شكراً لملاحظتك — ممكن نأخذ خمس دقائق لنشرح وجهات نظرنا قبل القرار؟"

مشكلات شائعة وكيفية التعامل معها

·         الانفعال بدل التعاطف  تمرّن على تقنية التنفّس ثم اطلب توضيح (يساعد على تقليل ردود الفعل الانفعالية).

·         التحيّز العاطفي (مثلاً تفضيل موظف أو طالب) → اطلب آراء متعددة وبيّن معايير واضحة للتقييم.

·         الاستنزاف العاطفي (Burnout) →  راجع عبء العمل، شجّع إجازات قصيرة وممارسة نشاطات بدنية ونوم جيد.

أنشطة وتمارين عملية (قابلة للتطبيق بسرعة)

1.      عجلة المشاعر: لوحة تعرض 8–10 مشاعر، يختار المشاركون شعورهم ويشرحون سبب الاختيار (مدّة: 5 دقائق).

2.      تمرين المرآة: أمام المرآة، قل عبارة تعبر عن شعورك (مثلاً «أنا قلق») ثم جرّب تعديل نبرة الصوت لتخفيفه.

3.      لعبة "ماذا تحتاج الآن؟" في كل اجتماع، يجيب شخص واحد عن السؤال: ماذا أحتاج الآن كي أعمل بشكل أفضل؟

4.      كرة الثناء: في الأسرة أو الفصل، تُرمى كرة على شخص فيقول شيئاً إيجابياً عن من رماها له.

نصائح قصيرة للمدرّبين/الآباء/المديرين

·         ابدأ بالوعي: قيّم مشاعرك قبل محادثة حسّاسة.

·         اطلب ملاحظات: اسأل بصدق "كيف أحسنت أو أخطأت في التعامل معك؟"

·         كن قدوة: التغيير يبدأ من سلوكك.

·         علّم اللغة العاطفية: كلمات بسيطة مثل "أنا مستاء"، "أحتاج مساعدة"، "أشكرك" تغيّر البيئة.

ختامًا

الذكاء العاطفي ليس رفاهية ولا "موضة" معرفية: إنه مهارة يومية تبنيها تدريجيًا. بداية صغيرة — لحظة استماع، سؤال بسيط أو نفس عميق — يمكن أن تغيّر دورة علاقة، نتيجة درس، أو حتى مسار فريق عمل كامل.

ابدأ اليوم بتسمية شعور واحد، واطلب من شخص واحد أن يسمعك بصدق. وسترى كيف يتغيّر الجو حولك تدريجياً.

اقرأ أيضًا












تعليقات