أزمة الشعر.. من الذي اختلقها؟!…
مقال حول الشعر ودفاعًا عنه ضد كل من
يدعي أنه يمر بأزمة غير موجودة على أرض الواقع… حيث يتردد كثيرًا أن هناك أزمة
شعر. كما أنه توجد ادعاءات كثيرة في عصرنا هذا تقول أننا في زمن الرواية وليس الشعر، وقد يكون هذا صحيحًا من أحد الجوانب، وذلك إذا نظرنا الاهتمام
الجارف بالصورة المرئية والتقدم التكنولوجي والتقني الرهيب الذي تستفيد منه
الرواية. وكذلك تكاسل الناس عموماً عن البحث، فقد انحسرت ظاهرة القراءة وأصبح
الشعراء في أغلب الأحيان لا يقرأون سوى لبعضهم البعض. مما أدى إلى نوع من العُزلة
زادها التيار الحداثي بغموضه وبحثه الدائب عن التجريب وارتياد آفاق طليعية جديدة
وطرائق أخرى في التصور والمعرفة.. ولكن يبزغ هنا التساؤل دائمًا… أليس للشعر أصداء
في معظم، إن لم يكن كل الفنون؟! في المسرح، والسينما، والأغنية…إلخ؟!
بدايةً .. عند الحديث يجب تحديد نوع الأزمة ومعرفة هل هي أزمة شعر؟!
أم أزمة قصيدة؟!
الشعر ليس في أزمة لأنه موجود وبقوة في جميع الفنون ويشارك فيها، لكن
الأزمة في الحقيقة هي أزمة قصيدة تشكلت بأشكال مختلفة يهاجم رواد كل شكل منها
الآخر دون الإحساس بإمكانية الوجود والتعايش والتفاعل مع الآخر. وذلك بدلاً من
الصراع والتحزب لنوع ضد آخر في محاولة لإلغائه. فلقد أصبح الاهتمام أكثر
بالتركيبات اللُغوية على حساب المعنى والتجربة الحية، ونسي الشعراء -إلا القليل
منهم- أن الشعر هو،
"أغنية تفيض من جرح دام أو فم باسم/ الشعر كم من الفرح والألم والعجب، مع نزر مما ورد في المعاجم"
وذلك كما يقول ويعبر الرائع والمبدع (جبران خليل جبران) أحد
شعراء المهجر في تعريفه للشعر.
وقد قال أحد النقاد أيضًا:
"ليس الفن أن تقول شيئًا بسيطًا بطريقة غامضة ولكن أن تعبر عن شيء غامض بطريقة بسيطة"
ولكن من يطلقون على أنفسهم شعراء حداثيين نزعوا إلى الغموض الشديد في
محاولة لتغليف أعمالهم بأهمية وجدية تفتقدها. وذلك مما أدى إلى عزلتهم فوقع الناس
في حيرة. ومن ثم تضاءل عدد قراء الشعر وأصبحت الأزمة أزمة سقوط القارئ، أو عدم
وجوده وتناقلت الألسنة ألفاظاً مثل “موت القارئ” بعدما كانت قديمًا “موت المؤلف”.
ولكن.. أين دور النقد من كل هذا؟!
لم يعد هناك وجود قوي للناقد الذي يشرح ويفسر وينقد ويوضح إيجابيات
العمل وسلبياته بحياد تام.. فنقادنا اليوم بعضهم يدق الطبول والآخر يخرقها دون نهج
واضح.. خصوصًا بعد أن انتهى زمن النموذج الأمثل فلم يعد هناك نموذج يحتذى به، بل
صار الكل نموذجًا للكل، وهكذا صار تحطيم النموذج “الإله القديم” هو الهدف، فساد
الاضطراب والتخبط، ولا زلنا نبحث عن أرض صلبة يمكن للقصيدة الاستناد إليها، وذلك
أدى إلى وجود فجوة بعد أن اختفى الناقد/الوسيط الذي بين الشاعر والقارئ، فأصبح
الشاعر في ناحية والقارئ في أخرى، ولا يبدوا ثمة تلاق سوف يحدث إلا إذا تم تعديل
مسار أحدهما.. وهذا هو دور الناقد المفتقد..
أخيراً،،،
فالحديث عن أزمة بشكل عام يوجد ويخلق الأزمة حتى ولو لم تكن موجودة،
فالأزمة الحقيقية ليست في الشعر، لكنها أزمة في التواصل بين الشعر ومتلقيه، أزمة
قصيدة نجد منها الكثير والكثير ولكن جيدها قليل. قصيدة ابتعدت وتعالت وانغلقت على
نفسها وألقت بمفتاحها في بحر لا قرار له.. أيضاً هي أزمة إعلام، ومؤسسات تعليمية
لم تهيئ المناخ لخلق ذائقة جديدة للأشكال العديدة الجديدة من القصائد.. إنها ازمة
مركبة ليست أزمة شعر لكنها أزمة شاعر وناقد وقارئ ومؤسسات إعلامية وتعليمية.. لذا
فهي تحتاج لتضافر جهود كل هذا حتى يمكن حلها …
تعليقات
إرسال تعليق