تطوير التعليم يبدأ من التربية على المواطنة

مواطن اليوم وغدًا
دور المدرسة في التنشئة على قيم الحوار والمواطنة

مع بداية موسم المدارس السنوي، نجدنا نهتم بالحديث عن التعليم وأهمية تطويره من أجل ضمان نجاح أبنائنا وبناتنا وحصولهم على الشهادات. ونجدنا ننتقد أحيانًا السياسات التعليمية السائدة. بعضنا ينتقد بفهم لما يدور، وبرغبة في التطوير الفعلي مع التعمق في جذور المشكلات التي تمنع هذا التطوير المرغوب وتعيقه من ناحية. وتقديم الحلول الجذرية بتغيير المفاهيم والاتجاهات نحو العملية التربوية والتعليمية برمتها من ناحية أخرى.

والبعض الآخر قد ينتقد بدون فهم لعمق المشكلة. لكنه فقط يردد ما يقرأه في مواقع التواصل الاجتماعي أو ما يعيشه من واقع يراه من زاوية واحدة أهمها: الأخلاق، والعائد الاقتصادي.

ولا أحد ينكر أهمية الأخلاق، ولا أهمية وجود عائد اقتصادي من التربية والتعليم. بالرغم من أن المسألة أعمق من ذلك بكثير.

فنحن نتحدث هنا عن بشر، لا عن حجر.

 تعريف مصطلح أو مفهوم  "التربية"

تعددت التعريفات التي وضعها علماء النفس، وعلماء الاجتماع، وعلماء التربية حول معناها الاصطلاحي ومفهومها كل من زاويته. ومن أشهر التعريفات التي كُتبت ونُشرت عن التربية:

  • أن التربية هي علم يهدف إلى تكوين الإنسان من أجل نفسه وذاته. وأنها تهدف إلى إيقاظ ميوله وشحذ قدراته الكثيرة فيه.
  • التربية تهتم بتكوين الفرد إجتماعيًا.
  • أن التربية تجعل من الإنسان أداة ووسيلة سعادة لغيره ولنفسه.
  • التربية أن يكون الإنسان إنسان، أو كما يقال نصًا "أنسنة الإنسان".

 ويُعرف جون ديوي John Dewey التربية بكونها

"مجموعة العمليات التي يستطيع بها مجتمع أو زمرة اجتماعية، أن ينقلا سلطاتهما وأهدافهما المكتسبة بُغية تأمين وجودهما الخاص ونموهما المستمر. فهي باختصار عملية تنظيم مستمرة للخبرة. أو بمعنى آخر هي مجموعة العمليات التي بها يستطيع المجتمع أن ينقل معارفه وأهدافه المكتسبة ليحافظ على ببقائه. وتعني في الوقت ذاته التجدد المستمر لهذا التراث وأيضًا للأفراد الذين يحملونه. فالتربية هي عملية نمو وليست لها غاية إلا المزيد من النمو. إنها الحياة نفسها بنموها وتجددها"

كما أن التربية لا تُعَرَّف فقط بذاتها، بل تعرف أيضًا بالاشتراك والاندماج مع مصطلحات أخرى ومفاهيم تحدد لها أهدافها وأغراضها ومجالاتها. كمصطلحي: التربية المدنية، والتربية على المواطنة.

فالتربية هي عملية مدنية الغرض الأساسي منها هو تكوين مواطن صالح نافع لنفسه ولغيره من أعضاء الجماعة الوطنية والإنسانية.

ويتم تعريف مصطلح ومفهوم "التربية المدنية" بأنها

"العملية التعليمية التي تهتم بتزويد الإنسان بالمعارف والقيم والمهارات التي تجعل منه عضوًا وفردًا مسئولًا ومشاركًا بهمة ونشاط في مجتمعه، واعيًا بواجباته وبحقوقه. ينتمي لوطنه ويكون ولائه له، يمارس الديمقراطية بإيجابية، يحترم القواعد والقوانين، ويتمسك بالقيم الإيجابية الأصيلة لمجتمعه".

أما مصطلح "التربية على المواطنة"، وهو قريب الشبه من مفهوم "التربية المدنية" فهو مرتبط بالأكثر بحقوق الطفل وحقوق الإنسان. والمقصود منه في الغالب الأعم هو اندماج الإنسان الفرد/ المواطن في الحياة العامة ومستلزماتها بشكل إيجابي. مع ممارسة الحقوق والحريات العامة مثل تكوين الآراء الشخصية، التصويت...إلخ.
وقد ظهر مفهوم التربية على المواطنة في الستينات من القرن الماضي، في الدولة الفرنسية جنبًا إلى جنب مع مصطلح التربية المدنية.

وقد تحددت مكوناتهما معًا في التالي:

  • الثقافة العامة والثقافة القانونية
  • المسئولية الخاصة والمسئولية العامة والمسئولية الاجتماعية/ المجتمعية
  • التسامح والتعددية وقبول الاختلاف، وقبول الآخر
  • تكوين الآراء والممارسة الحقيقية للديمقراطية
  • الهوية الوطنية
  • واجبات وحقوق الإنسان

كما تم صياغة أهدافهما معًا في التالي:

  • تعميق وتأصيل التصور الإيجابي للنفس/ الذات وللآخرين لدى الأطفال
  • غرس، وتعزيز، وتعليم المشاركة في الحياة في إطار نسق ونظام وأنماط ديمقراطية
  • ممارسة المواطنة بفاعلية في الحياة العامة بغرض التغيير والتوجه نحو حياة أفضل
  • العمل على إكساب الأطفال الخبرات المختلفة، وإنضاج هذه الخبرات. وذلك لكي يتم توسيع آفاقهم الاجتماعية والإنسانية.

ولتحقيق هذه الأهداف المذكورة سلفًا، فقد وضع علماء  التربية المستويات الخمسة التالية التي تعمل عليها:

  1. مستوى الاكتشاف: اكتشاف الإنسان لذاته، وتعرفه واكتشافه للآخرين. اكتشافه للمجتمع الذي يعيش فيه. وتعرفه للعالم، واكتشافه للقيم الإيجابة التي فيه خاصةً الديمقراطية. وأخيرًا تعرفه واكتشافه لمعنى الحياة والعيش المشترك.
  2. مستوى التفكير: فالطفل يجب ان يتدرب على التفكير المنطقي والتفكير العلمي، يتدرب على التحليل، والاستنتاج، وعلى المقارنة والحكم. مع تعويده على الاجتهاد في تكوين رأي شخصي لنفسه.
  3. وأيضًا مستوى الاتصال: فيجب أن يتدرب المعلم قبل الطفل حتى يقوم بتدريب الطفل أيضًا على "مهارات الإصغاء". وأيضًا مهارات التعبير عن النفس بكل الطرق اللفظية وغير اللفظية.
  4. مستوى التفاعل: حيث يتم تدريب الطفل وتعليمه تقنيات وأسس الحوار. استراتيجيات العمل الجماعي والعمل التعاوني. وكيفية إدارة الصراعات وحل النزاعات ونشر السلام.
  5. وأخيرًا مستوى الالتزام: بأن يلتزم الطفل منذ نعومة أظفاره بالحياة العامة/ الجماعية، والعمل الخاص والعام، وبإتقان.

علمًا بأن عملية التربية على المواطنة ترتكز على: وجود مساواة كاملة بين الأفراد. إيجاد نظام معروف وواضح من الحقوق والواجبات يسري على الجميع. تعزيز التعايش المشترك بين الشركاء في الوطن (المواطنين)،ومشاركة الجميع في تنظيم الشئون العامة وشئون الوطن.

وبما أننا قد تعرفنا على مصطلحات ومفاهيم: التربية، والتربية المدنية، والتربية على المواطنة. فإنه يجب أن نتعرف أيضًا مفهوم ومصطلح "المواطنة" في حد ذاته.

فماذا يعني مصطلح "المواطنة"؟

عند الحديث عن معنى مصطلح "المواطنة" خاصةً مع الأطفال في المدارس، وفي المعسكرات والمؤتمرات التي كنا ننظمها لهم بحكم عملي في التعليم وفي التنمية لسنوات عديدة. كنت أحب أن أبدأ معهم بعرض أغنية من مسلسل قديم للأطفال، تغنيها الفنانة إيمان الطوخي تحت عنوان "يعني إيه كلمة وطن".

حيث تجسد كلمات الأغنية الكثير من معاني الوطن والمواطنة، فالواو "وادي"، والطاء "طيبة"، والنون "ناسها اللي بيسابقوا الزمن"

للاستماع إلى الأغنية من خلال الرابط التالي

https://www.youtube.com/watch?v=Bbk25utNrdY

فكلمة مواطنة، تأتي من وطن نسكنه ونعيش في. وتأتي من مواطن يعمر هذه الأرض التي هي وطنه. فالمواطنة إذا هي فعل أو مجموعة من الأفعال التي يقوم بها المواطن من أجل نفسه ومن أجل وطنه الذي يسكنه. المواطنة: فعل وممارسة وحياة.

وعلى ذلك، يتم تعريف مصطلح "المواطنة" على أنه صفة للإنسان الذي يعرف حقوقه وواجباته نحو مجتمعه. الإنسان الذي يشارك بفاعلية في القرارات التي يتخذها هذا المجتمع، وفي حل مشكلاته، وفي التعاون والعمل الجماعي مع المواطنين الآخرين.

المواطنة هي صفة يتسم بها الإنسان الذي ينبذ العنف، ولا يعبر عن رأيه بتطرف ومغالاة ويحترم آراء الآخرين ويقدرها. يعلم بأحوال وشئون مجتمعه، ويمتلك القدرة على التفكير التحليلي والتفكير الناقد للمساهمة في حل مشكلات مجتمعه وتطويره وتقدمه. المواطن الذي يدعم العدل والمساواة، ويكافح ضد التفرقة بسبب الجنس، أو اللون، أو العقيدة.

ونحو هذا يجب أن تكون التربية، ويصير ويتطور التعليم... نحو صناعة المواطن، ودعم وتعزيز المواطنة

 المدرسة ودورها في تعزيز المواطنة والتربية على حقوق الطفل

من المفترض أن تكون المدرسة هي المكان المخصص من قبل المجتمع لتربية الطفل وتعليمه. وإكسابه المهارات والقيم الإيجابية اللازمة للحياة. والمكان الذي يجب أن يمارس فيه الطفل، تحت رعاية المجتمع، كامل حقوقه قبل وبعد أن يتعرفها. كما أنها يجب أن تكون المكان الذي يتعرف فيه الطفل أيضًا أنه كما أن له حقوقًا يمارسها ويدافع عنها إذا ما سُحبت أو اغتصبت، فإن عليه واجبات في الحياة نحو نفسه، ونحو زملائه، ونحو وطنه. يجب أن يكتسب كافة المهارات التي تؤهله للقيام بهذه الواجبات حتى يتمتع بكامل الحقوق.

ومن هذه الحقوق التي يجب أن يتمتع بها الطفل داخل مدرسته، وحتى نحكم من خلال قياس مدى استيفاء المدرسة لها أن التعليم بداخلها "متطور"، هي:

  • حق الحصول على تعليم متميز، والحق في المعرفة والوصول إلى المعلومات. وذلك بإتاحة كافة الوسائل والطرق للوصول إلى المعارف والمعلومات التي يحتاجها الطفل من خلال توفير الكتب والانترنت، والأجهزة والمواقع الإليكترونية التي تمكنه من الحصول على المعرفة. أي توفير كافة المصادر الممكنة للتعلم.
  • التمتع بصحة جيدة كحق من خلال توفير الغذاء الكافي والمفيد جسديًا (التغذية)، الخدمات الصحية المجانية والمتاحة، التوعية الصحية، الفحوص الدورية للوقاية وللعلاج...إلخ.
  • حق اللعب والترفيه، عن طريق ممارسة أنشطة متنوعة حركية وذهنية داخل المدرسة، تنظيم نوادي ومعسكرات في الإجازات أو حتى أثناء الدراسة إذا كانت الأنشطة ترفيهية/ تعليمية كالرحلات والزيارات التي يمارس فيها الطفل المهارات التي اكتسبها داخل قاعات الدراسة.
  • التعبير عن الرأي كحق، والمشاركة، والمساواة ومكافحة التمييز بكافة صوره وأشكاله. وذلك من خلال استخدام استراتيجيات تعليم وتعلم تعتمد على التفكر والتأمل والبحث والحوار. إتاحة الفرصة لتنظيم جماعات الأنشطة المختلفة كالمسرح، والكورال. وأنشطة حقوق الطفل، البرلمان المدرسي، انتخابات مجالس الفصول، واتحادات الطلاب في المدارس...إلخ. من التنظيمات المدرسية المتنوعة التي يشارك فيها الأطفال بكل وعي وحرية.
  • الحياة في بيئة سوية ونظيفة كحق، حيث يجب أن تكون المدرسة رائدة في النظافة وفي النظام داخلها وخارجها. وأن تقوم بقيادة التوعية بأهمية الاهتمام بالبيئة المحيطة للأطفال وللأهالي. وأن تشارك في مشروعات تخدم البيئة مثل: حملات النظافة، عقد وتنظيم ندوات التوعية، حملات التشجير...إلخ.

فالأهداف التربوية للمدرسة يجب أن تكون كالتالي:

  • العمل على تنمية شخصية الطفل، صقل وشحذ قدرات الطفل ومواهبه البدنية والعقلية إلى أقصى حد.
  • تعزيز تنمية احترام الحقوق والحريات لدى الأطفال مع الالتزام بمنظومة الواجبات والحقوق.
  • العمل على إعداد الطفل للحياة المسئولة في مجتمع وبين جماعة حرة. طفل يصبح مواطنًا متفاهمًا، مسالمًا، يعيش ويمارس قيم التسامح والمساواة.
  • تعزيز وتنمية احترام الطفل للبيئة وللطبيعة من حوله.
  • أن تكون التربية موجهة نحو تكوين الطفل عقليًا ووجدانيًا وجسمانيًا. فالإنسان ينمو بصورة كلية وليس في أجزاء منفصلة.

نتائج إهدار وعدم التربية على الحقوق وعلى المواطنة في المجتمع وفي داخل المدرسة: 

إذا لم نقم بتربية الطفل على المواطنة ودعم المشاركة وتعزيز القيم الإيجابية لديه فسوف...

  • يتربى الأطفال على قيم سلبية: كالاستبداد، الخنوع والخضوع، عدم الكرامة وغياب الاعتزاز بالنفس، وضعف الثقة في النفس وفي الآخرين.
  • تنمو بداخل الأطفال حالة من الرفض للقوانين وعدم احترامها، وعدم الرضا بشكل عام.
  • يكره الأطفال المدرسة والعملية التعليمية برمتها التي تفقد معناها حيث لا يشاركون فيها بالرأي ولا بالاختيار.
  • ينمو داخل الأطفال شعور سلبي تجاه المجموعة، ويتولد لديهم إحساس بعدم المسئولية تجاه مجتمعاتهم.
  • ينمو العنف والسلوك العدواني والتنمر بين الأطفال داخل وخارج المدرسة. ويمارسون العنف ضد بعضهم البعض، وضد مدرسيهم وأهاليهم أحيانًا.
  • لا يتم الاستفادة على الإطلاق من أي جهد مبذول داخل المدرسة، سواء جهد تعليمي او تربوي.

 فماذا يجب أن يتم عمله لتطوير العملية التعليمية، ولتحقيق التربية على المواطنة داخل المدرسة؟

بادئ ذي بدء، يجب أن تهتم المدرسة بكافة تفاصيل العملية التعليمية داخل المدرسة. بداية من الاهتمام بالمعلم، الاهتمام بالمبنى المدرسي، بالبرامج والأنشطة وتدريس المواد التعليمية، وأخيرًا الإدارة المدرسية الفعالة.

وفي نقاط يمكن تلخيص بعض من المطلوب عمله وتنفيذه من أجل بداية التطوير في التالي:

أولاً: اختيار المعلم المؤهل للعمل في مهنة التعليم/ التدريس

فالتعليم ظل لفترة طويلة هو مهنة من لا مهنة له، ورغم وجود كليات التربية في معظم إن لم يكن كل الجامعات المصرية مع إتاحة الدراسات التربوية لكل خريجي الكليات والمعاهد الأخرى. إلا أنه وفي ظل العجز الدائم في عدد المدرسين داخل المدارس يتم الاستعانة في كثير من الأحيان بغير المتخصصين في التعليم، وأحيانًا غير المتخصصين من الأكاديميين في المواد الدراسية التي يختارون تدريسها. خصوصًا في المراحل التعليمية الصغرى.

فالمعلم يجب أن يتم اختياره عبر اجتياز عدد من الاختبارات الشفهية والتحريرية، مع إجراء مقابلات شخصية وتحليل نفسي له قبل الدفع به في معمعة التدريس والتعامل مع الأطفال. ويجب أيضًا تأهيله قبل استلام العمل من خلال التدريب القبلي أو التأهيلي Pre-service Training بهدف انتقاء أفضل العناصر التي يمكن أن تقدم أفضل خدمة تربوية وتعليمية للأطفال من ناحية، ومن أجل تأهيلهم نفسيًا ووجدانيًا ومعرفيًا ومهاريًا قبل الدخول للفصول والتعامل مع الأطفال من ناحية أخرى.

وأيضًا يجب أن يكون هناك تقويم وتدريب مستمر للمعلمين أثناء فترة عملهم In-service Training من خلال دورات وتدريبات تنشيطية عامة في التربية وتخصصية في المواد الدراسية.

توصيات باولو فريري للمعلم

وفي هذا الصدد، أوصى التربوي البرازيلي (باولو فريري) في كتابه بعنوان "المعلمون بناة ثقافة... رسائل إلى الذين يتجاسرون على اتخاذ التدريس مهنة" كافة المعلمين الذين يريدون الاستمرار في العمل التربوي بضرورة التحلي بالتالي:

  • التواضع، الذي يجعلهم يتعلمون قبل أن يقوموا بالتعليم
  • الحب، لابد أن يحب المعلم عمله ويبذل فيه كل جهده لكي يبدع
  • الشجاعة، في المغامرة وتجريب طرق تعلم جديدة، وفي الاعتراف بأي خطأ قد يقع ليكون فرصة للتعلم
  • التسامح، بقبول مختلف الآراء، وقبول أخطاء الأطفال والمتعلمين. فالخطأ هو فرصة للتعلم أفضل
  • الحسم، في الأمور التي تحتاج إلى قرارات
  • الشعور بالأمان، فالتعلم لا يحدث أو يكون قليل الأثر إن حدث وسط مشاعر الخوف والتهديد. لابد أن يشعر التلميذ بعدم الخوف من أن يخطئ حتى يتجرأ ويمتلك الشجاعة لكي يتعلم.
  • الصبر، فالتعلم يحتاج إلى وقت لكي يُظهر أثره. كما أن المتعلمين مختلفين في طرق وسرعة التعلم.
  • بهجة العيش، فالتعلم في جو من البهجة والفرح أبقى أثرًا من التعلم في جو من الخوف والرهبة.
  • وأخيرًا... التحلي بالحكمة، التي يكتسبها المعلم من القراءة، والدراسة، والخبرة. مع الممارسة والتحلي بكل ما سبق من الصفات.

وفي نهاية الحديث عن المعلم، لن نغفل الدعوة للمسئولين لكي يساعدوا في توفير الحياة الكريمة للمعلم. وتوفير الإعداد والتأهيل والدعم الفني اللازم له. لكي يمارس عمله بكل احترافية وإيمان برسالته من أجل أن يتخرج من تحت يديه مواطنين صالحين نافعين للوطن ولأنفسهم.

ولن ننسى أيضًا التأكيد على توفير العدد الكافي من المعلمين للعمل في المدارس، وأهمية سد أي عجز قد يوجد.

ثانيًا: البُعد عن التلقين في التدريس واستخدام طرق ووسائل واستراتيجيات التعلم النشط المتنوعة.

وذلك بهدف جعل التعلم (متمركزًا حول التلميذ/ المتعلم)، وأن يكون للتلميذ الدور الأكبر، والجهد الأعظم، والوقت الأطول في عملية التعلم داخل وخارج قاعات التدريس.

واستراتيجيات التعلم النشط، التي سنفرد لها مقالاً آخر بالتفصيل بإذن الله، منها على سبيل المثال:

  • استراتيجية العصف الذهني
  • الحوار والمناقشة
  • استراتيجية العمل التعاوني
  • فكر، زاوج، شارك
  • استراتيجية لعب الأدوار
  • العمل الجماعي والعمل في مجموعات
  • استراتيجية حل المشكلات
  • مسرحة المناهج
  • الألعاب التعليمية والألعاب التربوية
  • الأغاني
  • إجراء البحوث الثقافية والعلمية

كل هذه الاستراتيجيات والطرق في التدريس، والتعليم والتعلم تهدف إلى إبعاد التلميذ/ الطفل عن اللجوء للحفظ والتلقين. أو ما يسميه باولو فريري بعملية التدجين. وتساعد في تنمية التفكير التحليلي والناقد مع تعزيز قيم العمل الجماعي والتعاوني. وتنمية مهارات البحث والتعلم الذاتي.

ثالثاً: أن يتم استيعاب وتفهم العلاقة بين التعليم والتعلم. وبين كافة الأطراف المشاركة في العملية التعليمية والتربوية.

عملية التعليم

فالتعليم هو علاقة في اتجاه واحد. فيه المحتوى/ أو الرسالة التعليمية تنتقل من المعلم إلى التلميذ المتعلم في موقف سلبي (مجرد متلقي للمعلومة).

وأتذكر هنا، منذ دراستي في المرحلة الثانوية ما قرأته في رواية الكاتب الإنجليزي تشارلز ديكنز، التي عنوانها "أوقات عصيبة Hard Times". والتي كانت مقررة علينا للدراسة في الصف الثالث الثانوي في التسعينات من القرن الماضي. حوارًا دار بين توماس جراد جرايند صاحب المدرسة في الرواية، وبين المُعلم حينما كان يوصيه قائلاً:

Facts, facts, facts. Teach these boys and girls nothing but facts.

حقائق، حقائق، حقائق. لا تدرس لهؤلا الأولاد والبنات شيئًا سوى الحقائق.

وبعد هذه الوصية، وصف الكاتب الكبير تشارلز ديكنز حجرة الدراسة والأطفال فيها بقوله.

And the children were sitting like vessels, ready to be filled with facts.

والأطفال كانوا يجلسون تمامًا مثل الأوعية، الجاهزة أو المستعدة للامتلاء بالحقائق.

فالطفل في عملية التعليم يكون مجرد إناء جاهز ومستعد للامتلاء بالمعلومات التي تبقى في ذاكرته إلى حين ثم ينساها. ولهذا، فإننا نلاحظ على أطفالنا وتلاميذنا أنهم ينسون ما قد حفظوه، ولست أقول هنا ما قد تعلموه، بعد أن يلقونه ويصبونه في ورق الامتحانات. ولا يبقى أي أثر للمعلومات والمعارف بعدها.

 عملية التعلم

وعلى النقيض، تأتي عملية التعلم حين يتم استخدام استراتيجيات تعليمية متمركزة حول المتعلم/ التعلم النشط. فهنا تصبح العلاقة تبادلية. ويصبح التلميذ في موقف تفاعلي وتشاركي وإيجابي. فهو يشارك، يتعاون، يبحث، يحلل ويفسر، ينقد ويستنتج، يبدع ويبتكر. وهو يتحمل المسئولية تجاه نفسه وتجاه مجموعته ورفاقه حيث يتم تنفيذ ما يُسمى "بالاعتماد الإيجابي المتبادل". الطفل يكون قائدًا لمجموعة، وفردًا فيها يتبع قيادته. يعرف حقوقه وواجباته ويمارسهم. يشارك في وضع قواعد العمل لمجموعته، لفصله، ولمدرسته. ويتطور المفهوم لديه ليشارك في وضع دستور العمل للفصل وللمدرسة بالكامل.

هنا يتعلم الطفل بالخبرة المباشرة، وبالممارسة العملية، والتجريب. حيث تثبت هنا عملية التعلم، وتستمر المعلومة لأمد بعيد. هنا يتعرف الطفل ويكتسب مهارات "تعلم كيف تتعلم". فيستطيع الوصول للمعلومة بنفسه من مصادر متنوعة، ويصبح هو أيضًا مصدرًا للمعلومات والمعارف لغيره. أملاً في أن يصبح هو نفسه منتجًا للمعرفة في المستقبل.

وهنا يجب أن نتذكر المثل القائل:

أسمع فأنسى

أرى فقد أتذكر

أعمل، فمن المؤكد أني أتعلم 

لذا يجب التأكيد على أنه كلما زادت عدد الحواس التي يستخدمها الطفل/ التلميذ في عملية التعلم، كلما كان للتعلم أثر باق وفاعلية. وعلى هذا، فيجب أن يكون دور المعلم في عملية التعلم أن يصبح:

  • ميسر لعملية التعلم
  • موجه للأطفال نحو كيفية التعلم
  • مرشد لهم لكي يقوموا بالبحث وبالتعلم وبالاكتشاف والتفكير
  • داعم
  • محفز
  • مشجع
  • ضابط للوقت وللنظام

رابعًا: الاهتمام بالأنشطة المصاحبة للمواد الدراسية وممارستها بشكل فعلي وعملي:

فمعظم إن لم يكن كل المواد الدراسية لابد من وجود أنشطة مصاحبة لها يجب أن يمارسها التلاميذ. ففي هذه الأنشطة المصاحبة يطبق التلميذ ما تعلمه في قاعة الدرس ويعممه في حياته. هذا لو تم التطبيق بالفعل، ولو قام التلاميذ بممارسة هذه الأنشطة.

والتي منها:

  • جماعة الخطابة والمناظرات
  • ومجموعة/ جماعة اللغة الإنجليزية (جماعات اللغات الأجنبية بشكل عام)
  • نوادي العلوم، ونوادي الرياضيات
  • جماعة الصحافة وجماعة الإذاعة المدرسية
  • وجماعة التاريخ، جماعة الجغرافيا...إلخ.

ومن يقوم بتفعيل وقيادة ممارسة هذه الأنشطة هم مدرسوا المواد الدراسية نفسها مع مجموعات التلاميذ الذين يختارونها بحرية وبرغبة ذاتية. وفيها يستزيدون من المعارف في المادة الدراسية، ويربطونها بالبيئة وبالحياة. ويمارسونها بشكل علمي وعملي قد يؤهلهم أن يصيروا علماءًا في هذه العلوم مستقبلاً.

خامسًا: الاهتمام بالأنشطة الحرة غير الصفية (اللاصفية)  

فمن خلالها يقوم التلميذ بممارسة المهارات التي اكتسبها داخل جدران قاعات الدراسة من ناحية، وشحذ وصقل مهاراته وقدراته الخاصة من ناحية أخرى. فهي أنشطة يمارسها التلاميذ داخل وخارج إطار اليوم الدراسي. أنشطة تتيح الفرصة لهم للنمو من خلال العمل واللعب. وصقل مواهبهم المختلفة وممارسة ما يرغبونه ويفضلونه من نشاط حر تحت رعاية مشرف نشاط متخصص، أو هاوي إذا لم يتوفر المشرف المحترف.

وهذه الأنشطة مثل:

  • نشاط المسرح (التربية المسرحية)
  • النشاط الموسيقي ( الكورال وتعلم العزف)
  • ونشاط الإذاعة المدرسية
  • الصحافة المدرسية كنشاط حر
  • وأيضًا النشاط الرياضي الحر، وليس حصة التربية الرياضية والبدنية
  • مجموعة النشاط البيئي (التربية البيئية)
  • نشاط الحاسب الآلي الحر، بعيدًا عن حصص الحاسب الآلي.
  • جماعة الكشافة
  • المجموعة المكتبية، والنشاط الثقافي
  • النشاط الفني
  • نشاط الرحلات والمعسكرات والزيارات الميدانية
  • برنامج التربية المدنية وجماعات حقوق الطفل.
  • النشاط الصحي ونهج من طفل لطفل.

وخلال المشاركة في هذه الأنشطة والتي تعتمد على الاختيار الحر طبقاً للميول والرغبات، والقدرات والمواهب. يتعايش الطفل مع زملائه في جماعة النشاط. يقبل اختلافاتهم المختلفة: في الجنس، أو المستوى الاقتصادي، أو الدين والعقيدة. ويسعى التلميذ ويعمل جاهداً للارتقاء بمجموعته التي ينتمي إليها ويبرز ويعتز بإنجازاتها ويقوم بإعلاء شأنها في المدرسة. كما أنه يهتم باختيار اسم لها وشعار ونشيد، في تمثيل واضح للانتماء للدائرة الأكبر وهي الوطن وممارسة المواطنة.

وفي الألعاب والرياضات الجماعية التي يتم ممارستها بحرية داخل جدران المدرسة، يتم تعزيز قيم كثيرة أهمها: حرية الاختيار،  الانتماء، المشاركة والتعاون. وكل هذا يؤسس لتعزيز المواطنة.

سادسًا: تعزيز الاهتمام بالمشاركة في التنظيمات المدرسية المتنوعة

مثل المشاركة في مجالس الفصول والاتحادات الطلابية، التي تأتي عن طريق انتخابات حرة نزيهة. وتكون صورة مصغرة للمشاركة السياسية عند الكبر. ويتعلم خلالها الطفل أسس الانتخاب وقواعده. وكيف يختار مرشحه. وإذا كان هو المرشح كيف يبني برنامجه ويحدد أهدافه ويقود حملته الانتخابية.

والمشاركة أيضًا في البرلمان المدرسي كصورة مصغرة ومحاكاة لمجلس الشعب أو البرلمان. حيث يناقش فيه التلاميذ قضاياهم التعليمية، ومشكلاتهم المدرسية. ويخرجون منه بتوصيات تُرفع للإدارة المدرسية. ويتبنون مع زملائهم في المدرسة مبادرات يقومون بتبنيها وتنفيذها داخل أو خارج جدران المدرسة. مثل قيادة حملات توعية صحية، توعية اجتماعية، بيئية، رصد المشكلات في محيط المدرسة والعمل على طرح حلول لها ...إلخ. من المبادرات التي يمكن أن يقوم بها التلاميذ في مراحلهم وسنواتهم الدراسية المختلفة.

سابعًا: دعم وتعزيز مشاركة التلاميذ في المشروعات التي تخدم البيئة

مثل مشاركتهم في حملات التوعية البيئية، حملات التنظيف داخل المدرسة، والقرية أو المنطقة المحيطة بالمدرسة في المدينة، حملات التشجير....إلخ.

ثامنًا: دعمهم للمشاركة في ممارسة الإدارة الديمقراطية

والتي تعتمد على المشاركة من خلال تكوين مجلس قيادة المدرسة، مجلس الآباء والمعلمين، مجلس أولياء الأمور، ومجلس الأمناء. مع أهمية الانعقاد الدوري لهذه المجالس للمشاركة في الأمور التنظيمية والإدارية وتبني أفكار خاصة بالمشاركة المجتمعية. والتأكيد على دور التلاميذ في هذه المجالس أن يكون بشكل حقيقي وفعال لا بشكل صوري.

تاسعًا: التأكيد على منع العقاب البدني وأي صورة من صور إهانة الطفل/ التلميذ سواء بالقول أو بالفعل. 

عاشرًا: ضمان أن يمارس الطفل حقه في التعبير عن رأيه بحرية داخل قاعة الدراسة.

وأن يبدي رأيه فيما يتعلمه ويدرسه من موضوعات أو في مشاكل مجتمعه بانفتاح وبحرية. مع إتاحة المعلومات والمعارف التي تساعده في تكوين رأيه الخاص.

الحادي عشر: أن يوجد نظام للتقويم وللتقييم بحيث يقيس تقدم التلميذ/ الطفل في جميع الجوانب.

وبحيث يتجاوز هذا النظام الشكل التقليدي للامتحانات الحالية. وكذلك أساليب التصحيح التي يجب أن تدخل فيها التقنيات الحديثة بشكل حقيقي. مع توفير كافة التجهيزات والاحتياجات لذلك.

ختامًا

كل ما سبق ما هو إلا ملخص قد يكون غير كافٍ للتعبير عن الدور المنوط بالمدرسة في التربية على الحقوق وتعزيز قيم الحوار والمواطنة. وللتأكيد على أنه يجب النظر لعملية تطوير التعليم من زاوية مختلفة، ولهدف أسمى وأعلى من مجرد تحسين عملية التعليم إلى تطويرها لكي تركز على تعلم الطفل. ولصناعة وإخراج مواطن متعلم قادر على البحث والاستزادة من العلم وإنتاج المعرفة وقيادة سفينة الوطن.

مواطن اليوم وغدًا

الكاتب/

أسامة الأديب

استشاري تعليم وتنمية

#أسامة_الأديب

#تطوير_التعليم

#التربية_على_المواطنة

اقرأ أيضًا

الأنشطة الفنية للطفل: أهدافها، وأهميتها 


تعليقات