ليو تولستوي: فيلسوف الرواية والبحث عن الحقيقة
يُعَدّ الكونت ليف نيكولايفيتش تولستوي (1828 – 1910) من أعظم الأدباء
الروس والعالميين، وهو روائي، فيلسوف اجتماعي، ومصلح أخلاقي وديني. جمع بين
العبقرية الأدبية والتأملات الفلسفية العميقة، وترك إرثًا ضخمًا أثر في الأدب
والفكر والحركات الاجتماعية والسياسية حول العالم.
نشأة تولستوي وحياته
ولد تولستوي عام 1828 في عائلة أرستقراطية ثرية بقرية ياسنايا بوليانا
بالقرب من مدينة تولا الروسية. فقد والديه في سن مبكرة، فتربى بين أقارب متعاقبين.
التحق بجامعة قازان ودرس اللغات الشرقية والقانون، لكنه لم يكمل دراسته لشعوره
بالملل والرفض للنظام التعليمي التقليدي.
شارك في الجيش الروسي أثناء حرب القرم (1853 – 1856)، وهناك بدأ يكتب
قصصه الأولى متأثرًا بما شاهده من مآسي الحرب وصراعات الإنسان بين الحياة والموت.
التحولات الفكرية لتولستوي
عاش تولستوي حياة مليئة بالتحولات:
1.
مرحلة
الأرستقراطية والترف: حيث انغمس في حياة اللهو والمقامرة.
2.
مرحلة
الشهرة الأدبية: مع صدور رواياته الكبرى مثل الحرب والسلام وآنا
كارينينا.
3.
مرحلة
البحث الروحي: إذ مرّ بأزمة وجودية جعلته يعيد النظر في الدين والحياة، فاتجه نحو
الزهد والدعوة إلى البساطة ورفض السلطة الكنسية والطبقية.
أعمال تولستوي الأدبية الكبرى
الحرب والسلام (1869)
ملحمة أدبية تُعتبر من أعظم الروايات في تاريخ الإنسانية. تناولت الغزو
النابليوني لروسيا (1812) عبر شخصيات متعددة، مزجت بين الواقع التاريخي والتحليل
النفسي والفلسفة.
آنا كارينينا (1877)
تعتبر آنا كارنينا رواية إنسانية واجتماعية عميقة، عرضت قصة حب مأساوية وسط مجتمع
أرستقراطي مليء بالزيف، وتُعَدّ من أعظم الروايات الواقعية.
البعث (1899)
تناولت قضية الإصلاح الأخلاقي والعدالة الاجتماعية، وانتقدت النفاق
الديني والمؤسسات القضائية.
قصص قصيرة وفلسفية
مثل: موت إيفان إيليتش، الحاج
مراد، كم يحتاج الإنسان من الأرض؟،
وقد جسدت فلسفته عن الموت والحياة والعدالة.
فلسفة تولستوي وأفكاره
1.
اللاعنف
والمقاومة السلمية: ألهمت أفكاره قادة مثل غاندي ومارتن لوثر كينغ.
2.
البحث عن
الحقيقة: دعا إلى العودة للمسيحية الأولى القائمة على المحبة والخير بعيدًا عن
طقوس الكنيسة.
3.
النقد
الاجتماعي: رفض الامتيازات الطبقية ورأى أن الفقر والظلم ناتجان عن الاستغلال
الاجتماعي.
4.
التربية
والتعليم: أنشأ مدرسة في ياسنايا بوليانا لتعليم الفلاحين البسطاء وفق طرق تربوية
حديثة.
حياة تولستوي العائلية
تزوج من صوفيا بيرس عام 1862، وأنجبا 13 طفلًا. ورغم حبها وإخلاصها له،
عانت حياتهما الزوجية من صراعات بسبب اختلاف أفكاره الفلسفية وميله للزهد.
وفاته وإرثه
في أواخر حياته، ترك منزله باحثًا عن السلام الداخلي، لكنه توفي عام
1910 في محطة قطار صغيرة وهو في طريقه إلى العزلة. شيّعته جموع غفيرة واعتُبر
رمزًا للضمير الإنساني.
تأثيره على الأدب والفكر
·
أثّر في
الأدب العالمي من خلال تقنياته السردية وشخصياته المعقدة.
·
ألهم
مفكرين وقادة حركات التحرر السلمي حول العالم.
·
لا تزال
أعماله تُقرأ وتُدرّس باعتبارها جزءًا من التراث الإنساني الخالد.
ختامًا
ليو تولستوي لم يكن مجرد روائي عظيم، بل كان ضميرًا إنسانيًا حيًا، سعى
لإيجاد معنى للحياة عبر الأدب والفلسفة والبحث الروحي. ترك لنا أعمالًا خالدة تعكس
صراع الإنسان بين الشهوة والواجب، بين الإيمان والشك، وبين الحياة والموت. إنه
كاتب عالمي، وفيلسوف إنساني، سيظل أثره باقيًا ما بقي الإنسان يبحث عن ذاته
وحقيقته.
اقرأ أيضًا
فيودور ديستوفسكي: رائد الرواية الإنسانية العميقة
أحمد خالد توفيق: العراب الذي غير وجه الأدب العربي المعاصر
ويليام شكسبير: أمير الشعراء وأعظم كُتاب الدراما في التاريخ
تعليقات
إرسال تعليق