قصة مدينتين... الحب هو السيد والمنقذ في عصور فقدان الأمان وانتشار الخوف
قصة مدينتين (A tale of two cities)، أحداث
الرواية
تدور أحداث الرواية الأشهر
للروائي الإنجليزي العظيم تشارلز ديكنز صاحب الإبداعات الروائية الكثيرة في زمن
الثورة الفرنسية وحركة التحرر من حكم الفرد والأسرة. هذه الرواية التي يتم تدريسها
في الكثير من مدارس اللغات وفي الجامعات في أقسام اللغة الإنجليزية. والتي أذكر
أنني قبل قراءتها شاهدت مرارًا وتكرارًا الفيلم لذي يجسدها على شاشة التلفاز.
والذي كان يتم عرضه قديمًا سواء كفيلم روائي طويل من أفلام السينما العالمية. أو
كفيلم مراجعة للقصة الإنجليزية التي يدرسها الطلبة في المدارس. ويكون ذلك بالقرب
من مواعد الامتحانات حيث يتم عرض العديد من الأفلام الروائية الطويلة المبنية على
روايات تشارلز ديكنز، ومسرحيات ويليام شيكسبير… إلخ.
فمن
هو تشارلز ديكنز صاحب ومؤلف رواية "قصة مدينتين" التي نعرضها في هذا المقال؟
تشارلز جون هوفام ديكنز من
مواليد السابع من شهر فبراير عام 1812. وهو كاتب انجليزي اشتهر برواياته التي تنقد
الكثير من الأوضاع الاجتماعية في انجلترا على وجه خاص وأوروبا بوجه عام. ويعتبر
النقاد أن تشارلز ديكنزCharles Dichens هو الروائي الإنجليزي
الأعظم في عصره. والذي يسمى بـ "العصر الفيكتوري". وهو عصر كان ثريًا بالإنتاج الأدبي
للروائيين والشعراء والمسرح.
اشتهر تشارلز ديكنز عبر رواياته التي تعتبر علامة في الأدب العالمي. ويتم قراءته حتى يومنا هذا ودراستها في المدارس والمعاهد والجامعات. خاصةً تلك التي تدرس اللغة الإنجليزية سواء كلغة ثانية أو كلغة أولى. وروايات وقصص تشارلز ديكنز انتقدت أوضاعًا اجتماعية كثيرة. مثل ما يحدث في دور الأيتام في لندن وسائر أنحاء انجلترا، وقسوة الأغنياء على الفقراء، والمشكلات في المدارس والسجون… إلخ.
ومن أشهر أعمال تشارلز ديكنز
الروائية: رواية أوقات عصيبة Hard
Times ، أوليفر
تويست، ديفيد كوبرفيلد. أغنية عيد الميلاد، مذكرات بيكويك، الآمال
العظيمة Great Expectations. ورواية قصة مدينتين A tale of Two
Cities التي نعرضها في هذا المقال.
ولقد توفى تشارلز ديكنز بعد
حياة حافلة في عالم الأدب عن عُمر يناهز 58 عامًا وذلك في التاسع من شهر يونيو عام
1870. ولقد تم تحويل معظم أعمال تشارلز ديكنز إلى أفلام استمتع بها العالم كله.
حتى أن قصة مثل “أغنية عيد الميلاد” تم في الفيلم الذي يحكي قصتها الدمج بين حياة
تشارلز ديكنز الخاصة وبين قصة الرواية. وكيف استلهمها وفي أي ظروف قام بكتابتها.
ملخص رواية "قصة مدينتين" للكاتب الروائي الإنجليزي تشارلز ديكنز
لقد بدأ تشارلز ديكنز الكتاب
الأول من الرواية واصفًا العصر الذي تدور أحداثها فيه بأنه،
"كان أحسن الأزمان، وكان أسوأ الأزمان. كان عصر الحكمة، وكان عصر الحماقة. كان عهد الإيمان، وكان عهد الجحود. كان زمن النور، وكان زمن الظلمة. كان ربيع الأمل، وكان شتاء القنوط. كان أمامنا كل شيئ، ولم يكن أمامنا شيئ. كنا جميعًا ماضين إلى الجنة مباشرةً، وكنا جميعًا ماضين إلى جهنم مباشرةً. وعلى الجملة، فقد كانت تلك الفترة أشبه ما تكون بعصرنا هذا، حتى لقد أصر بعض مؤرخيها الأكثر صخبًا على وصفها، سواء في الصلاح أو الطلاح، بصيغ التفضيل المانعة ليس غير."
وتشارلز ديكنز هنا ومن خلال الفقرة الأولى للرواية يعلن أنه سوف يحكي عن زمن اختلطت فيه كل الأضداد. زمن فيه الحرب والحب، الطمع والتضحية. الخوف والفرح بالانتصار… إلخ. وقد بدأ القصة منذ عام 1775. اي قبل الثورة الفرنسية بسنوات وهو يصف ملك وملكة انجلترا وفي المقابل ملك وملكة فرنسا.. لكي يعلن منذ البداية أنه سوف يحكي ما بين المدينتين من حكايات وعلاقات… المدينتان اللتان ظلتا تتحاربان وتتنافسان معظم فترات التاريخ. قبل أن تنتقل حروبهما إلى صراع محموم في سباق لاحتلال دول العالم في أفريقيا، وآسيا، وفي قارات العالم الجديد خاصةً أمريكا الشمالية.
أحداث رواية "قصة مدينتين"
لوسي مانيت الإبنة للطبيب
الفرنسي ألكساندر مانيت، والتي كانت تعيش في لندن. كانت تظن أن والدها متوفي حتى
اكتشفت أنه كان مسجونًا في السجن الفرنسي الأشهر “الباستيل”. ولم تعرف هذا إلا بعد
أن تم إطلاق سراح والدها الطبيب والذي قابلها في مدينة الضباب (لندن).
ولقد تم تبرأة هذا الشاب من
تهمة الخيانة التي كان متهمًا بها بمساعدة من محامي شاب يشبهه إلى حد كبير وكأنهما
توأم متطابق من حيث الشكل. وهذا المحامي الشاب والذي اسمه “سيدني كارتن” كان يشعر
بالحب في قلبه تجاه الشابة لوسي مانيت. ولكنه في ذات الوقت كان يعلم علم اليقين
بأنه لا يستحق الارتباط بها وأنها تميل إلى موكله المتهم والذي ضمن له البراءة.
ولذلك فقد اعترف لها بحبه، وتمنى لها حياة سعيدة مع الشخص الذي تميل إليه كما أنه
وعدها أنه سوف يظل في خدمتها دائمًا. وذلك لكي يثبت لها مدى الحب الذي يكنه لها في
قلبه.
أهم شخصيات رواية "قصة مدينتين"
تتوالى الأحداث بحسب الرواية
وتظهر لنا العديد من الشخصيات بجوار الطبيب السجين ألكساندر مانيت الذي تم الإفراج
عنه من سجن الباستيل الفظيع. وابنته لوسي بانيت والشاب الذي تحبه تشارلز داني
والمحامي الذي يشبهه والذي تسبب بهذا الشبه في الإفراج عنه وبراءته من قضية
الخيانة السيد سيدني كارتن…
ومن هذه الشخصيات المحورية أيضًا:
- السيد والسيدة ديفارج أصحاب الحانة التي كان يقيم فيها الطبيب ألكساندر مانيت بعد خروجه من السجن وفيها التقت به ابنته للمرة الأولى. وتذكر الرواية أن السيد ديفارج كان خادمًا لدى الطبيب أليكساندر مانيت قبل سجنه وقد استقبله بعد خروجه من السجن واعتنى به حتى جائت ابنته. كما أنه والسيدة ديفارج زوجته كانا من أنصار الثورة وقادتها على المستوى الشعبي ومن بين الذين هاجموا قصر الملك وقد تملكتهم الحماسة ضد كل ما هو تابع للملك ولزوجته وللعائلة المالكة ككل.
- مستر جارفيس لوري الذي كان يعمل في بنك تلسون الإنجليزي الموضوع فيه ثروة الطبيب أليكساندر مانيت. والذي كان مسئولاً عن تربية السيدة الشابة لوسي مانيت في ظل غياب والدها الذي كانوا يظنون أنه قد توفى.
- مسز بروس، السيدة الإنجليزية والمربية التي تولت مسئولية تربية الطفلة لوسي مانيت حتى أصبحت سيدة شابة جميلة ورقيقة. وقد عاملتها كأمها وظلت مسئولة عنها وعن حمايتها حتى أنها تصدت لمحاولات الاعتداء عليها في نهاية القصة من السيدة ديفارج ورفيقاتها وأمنت لها الطريق للهروب مضحية في ذلك بحياتها بعد قتال في البيت الذي كانوا يسكنون فيه.
الحبيب والحبيب
- تشارلز داني، الشاب الذي أحبته لوسي مانيت وتزوجته، والذي هو في الحقيقة ابن لعائلة من النبلاء الفرنسيين واسمه الحقيقي تشارلز سانت ايفرمونت. ابن أخ للورد ايفرمونت الذي جاء في الرواية ان عربته داست على أحد الأطفال من الأسر الفقيرة بينما هو خارج من باريس إلى ضيعته حيث القصر الذي يسكنه. وقد تسبب هذا في موت الطفل فما كان منه إلا أن ألقى لوالد الطفل بعملة ذهبية ومضى في طريقه غير عابئ بالألم الذي سببه لأهل الطفل القتيل. وذلك في مشهد يوضح مدى الفجوة بين الفقراء وبين النبلاء والأغنياء في بلد على حافة ثورة للجياع سوف تطيح بكل شيئ.
- مستر سيدني كارتن، وهو مساعد المحامي الذي كان يدافع عن الشاب تشارلز داني وشبيهه. وفي نفس الوقت هو الذي كان يشعر بالحب في قلبه نحو الأنسة الشابة الجميلة “لوسي مانيت”. والتي بدورها كانت تحب تشارلز داني وتنتوي الزواج منه. في نهاية الرواية، وبنبل شديد سوف يضحي السيد كارتن بنفسه. وذلك في سبيل إنقاذ حبيب لوسي مانيت السيد تشارلز داني. ويذهب هو للمقصلة بدلاً منه ويموت لكي يعيش من تحبه الإنسانة التي أحبها وأراد أن يسعدها.
رواية "قصة مدينتين" إن الحب هو الرابط والأمل في الخلاص
يتضح من تسلسل أحداث الرواية
رغم كونها رواية اجتماعية تاريخية أن الحب هو الذي ربط بين المدينتين. فالبطل
والبطلة من فرنسا لكنهما هربا إلى انجلترا وعاشا فيها كل منهما هاربًا من شيئ ما.
احدهما هاربًا من كونه سليل عائلة من عائلات النبلاء التي لا تقدم لشعب فرنسا أي
شيئ سوى العبودية والألم، والآخر هاربًا من ظلم وقع على عائلته وتسبب في سجن
والدها الطبيب في أقسى سجن قلعة الباستيل. دون أن تعرف عن والدها شيئ إلى بعد مرور
سنوات وسنوات عانت فيها من اليتم والوحدة.
ربط الحب بين الأثنين، وكان
الحب هو المنقذ لهما… فالسيد كارتن الذي أحب لوسي أنقذ لها حبيبها وضحى بنفسه
فداءًا عنه حتى يحفظه لحبيبته لوسي. والتي يتمنى لها السعادة في الحياة سواء معه
أو مع غيره. بينما السيدة والمربية الإنجليزية مسز بروس، ضحت بحياتها أيضًا من أجل
انقاذ لوسي وأباها وحبيبه/ زوجهاا من الغوغاء الذين كانوا يريدون تعطيل هروبهم في
نهاية الرواية.
انتصرت ثورة الشعب، لكنها كانت
كالطوفان الذي يأخذ في طريقه ويحطم كل شيئ. وفي وقت الثورة كانت هناك محاكمات
ومذابح لأناس لم يكن لهم ذنب. إلا التصاقهم بالعائلات النبيلة التي تنعمت لمئات من
السنوات بثروات البلاد واستعبدت شعوبها. وقد كانت الثورة انتقامًا رهيبًا ضد
العائلة المالكة وكل من ينتمي إليها من قريب أو بعيد. سواء بدليل قوي أو حتى بمجرد
وجود شبهة. وقد كان هناك تعطش وشهوة شديدة للانتقام وقطع الرؤوس بتلك الآلة
الرهيبة والتي هي "المقصلة".
تعليقات
إرسال تعليق